مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة..33

مدينة العاشر من رمضان..
مركز النيابة الإدارية..
الإثنين: 29 نوفمبر 2010  -  10:15 صباحا..

كالعنقاء..
تأبى ذكريات التكليف البعيدة إلا أن تعود من جديد..
*-*-*

 "كان يا مكان..وما يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه السلام..
كان فيه إدارة صحية في بلاد بعيدة..على راسها راجل ظالم..وكان فيه دكتور شاب صغير..اسمه الشاطر أحمد..
الراجل الظالم كان مفتري على الخلق..وكان بيبعت الشاطر أحمد كل شوية لوحدة صحية شكل..
أحمد ماكانش عايز يسمع الكلام..فبقى الراجل يديه كل شوية الخازوق التمام..
وأحمد صابر ومستني اليوم الموعود..اللي هيخلي فيه..ولن يعود.."
*-*-*

كانت البداية من محادثة تليفونية من كاتب في وحدة من الوحدات التي عملت بها في وقت التكليف..
يخبرني الرجل –بعد السلامات والتحيات- أنني مطلوب في النيابة الإدارية..بناء على تقرير من الجهاز المركزي للمحاسبات بعد التفتيش على وحدة الصحافة..
استغرقت بعض الوقت لأفهم وأربط الكلمات بعضها ببعض..
كاتب..وحدة..صحافة..تفتيش..جهاز مركزي..تقرير..تلك المادة التي ستحل كل شيء..جدران مهجورة آيلة للسقوط..بلاط مشق ومكسر..غارقة في مياه الصرف الصحي..أوراق متناثرة في كل مكان  وكأن المكان ضرب بقنبلة في حرب يونيو..
أعود من ذاكرتي البعيدة لأسمع الرجل..
رباه..مالذي جعل تلك الأيام اللعينة تعود من جديد..؟
*-*-*

"الشاطر أحمد راح البلاد البعيدة..علشان يعالج الفلاحين الغلابة..في أرض الجواميس الكبيرة..والنواميس التخينة..
عدى الترع والمصارف..وركب الميكروباصات والتكاتك..علشان يلاقي في الآخر خرابة كبيرة..وخيبة أمل تقيلة.."
*-*-*

في ذات اليوم..أتلقى اتصالا من شخص ذي صوت هاديء: -د.أحمد..أنا المستشار/ فلان الفلاني..من نيابة مشتول السوق..في مدينة العاشر من رمضان..كنا عاوزينك تشرفنا بخصوص القضية رقم 618 لسنة 2009.."

انظر الآن يا صديقي..
إدارة "مشتول السوق" قامت بإرسال إشارة إلى إدارة "أبو حماد"..تطلب فيها مثولي للتحقيق في النيابة الإدارية..في مركز مدينة العاشر..ومن هناك..حصلوا على رقمي..
ربما حسب اتفاقية تسليم الأطباء بين الإدارتين..
لم أكن أفهم الفروق الدقيقة بين النيابة الإدارية والعامة..كلها نيابة بشكل أو بآخر..سين وجيب..وما قولك في ما نسب إليك من تهم..إلخ..
مرة أخرى تتداعى إلى ذهني أسوأ الصور..
قضية..مشتول السوق..العاشر..
أفكر ساخرا..هل قتل مدير الإدارة وأنا متهم بقتله..؟
لماذا قتل..؟ هل قتله طبيب شاب موتور مثلي..لم يستطع أن يتحمل سماجته وغبائه..؟
هل قتله ودفنه في وحدة الصحافة..في ذات الوقت الذي انتقلت فيه لإدارة "أبو حماد" لكي يتم إلصاق التهمة بي..ويفلت هو..؟
هل مثل بجثته يا ترى..؟
ثم سؤال مهم..من سيخلف ذلك الرجل الكريه..؟
ربما لن يجدو أسوأ من مساعده ونائبه..الرجل القصير ذي الشارب الرفيع لكي يكون أسوأ سلف لأسوأ خلف..
لا بأس..
هذه تضحية صغيرة سأقوم بها سعيدا..
*-*-*

"خيبة الأمل الثقيلة راكبة جمل..ووالأمر يستدعي صبر الإبل على ما تلقى فيها..في بلاد تأكل أكباد الإبل ذات نفسها..
يهرب الشاطر أحمد من بلاد الشر..يفتكر إنه طلع من النار..
لكن على مين.."
*-*-*

أحدق في وجه المستشار بدهشة بالغة..
ثم تتلوها خيبة أمل بالغة..
أنا هنا للتحقيق بشأن سرقة عداد كهرباء الوحدة..؟!
هذه هي الحقيقة يا صديقي..
الوحدة التي أشبه بخرابة كبيرة..لم أذهب إليها إلا لماما..وقد عاملوني بالمثل..فأرسلوا لي إنذارا بالفصل..
أنا مسؤول عن "عداد الكهرباء" الخاص بها..
أعود مرة أخرى لوجه الشاب المتأنق وكيل النيابة الذي ينظر لي بابتسامة واثقة..
أشعر بسخافة بالغة..وقد قررت الصمت..
يخبرني وكيل النيابة أنه سيقوم بتقفيل المحضر..بكفاءة حقيقة وخبرة متمرسة في هذا النوع من القضايا..
فلتذهبوا إلى الجحيم..
وكيل النيابة المتأنق..وكاتب الوحدة الصحية..والطبيب الذي قابلته هنا..وكان مطلوبا للتحقيق بخصوص ذات القضية..والذي قابلني حين خروجه من لدى وكيل النيابة واتسعت عيناه قائلا: -ما تقلقش..أ.فلان جوه..هيخلص الموضوع..
وكأنني كنت مرعوبا من لقاء وكيل النيابة..
اللعنة عليك..وعلى مدير الإدارة وعلى أ.فلان..
أنا أريد الانتهاء من كل هذا..أريد أن تعود هذه الذكرى العفنة إلى مصرفها الطبيعي في ذاكرتي..
لا أريد أن أختنق بها أكثر من هذا..
يسألني المستشار عن مسؤوليتي عن عداد الكهرباء..في الخرابة التي كنت مديرا لها..
لا أجد إجابة..فيضيف هوالإجابة: –"بسب ضغط العمل.."
أتنفس الصعداء حين ينتهي الرجل من تحقيقه..ويقول "شرفت يا دكتور"..
أخرج من المبنى..
أتجه لموقف السيارات..أنتظر شيئا يقلني لمدينتي..
في الطريق..أكاد أنفجر من الضحك..
على الأقل أخذت اليوم أجازة..
*-*-*

"في الحكايات ينتصر الخير دايما..
لكن في الواقع مافيش خير ولا شر..
ما فيش حدوتة بتخلص على خير أو شر..
لكن توتة توتة..خلصت الحدوتة..
الحدوتة طبعا ملتوتة.."