مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة..34

القاهرة..
مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة..
السبت: 4 ديسمبر 2010  -  10:30 صباحا..
مالذي تتوقعه من شخص مفلس لا يحمل في جيبه إلا عشرة جنيهات أو زيادة عليها بقليل..؟
مالذي تتوقعه من طبيب لا يملك إلا هذه الجنيهات القليلة..؟
مالذي تتوقعه مني..؟
*-*-*
حتى في ظل أيام الامتياز التي لم نكن نتحصل فيها إلا على 250 جنيها تقريبا..لم تكن الأمور سيئة لهذا الحد..
حتى أيام التكليف اللعينة..
لم أصل لهذا الحضيض من قبل..
إذن..مالذي يحدث..؟!
يستهلك إيحار الشقة التي اسكنها ما يقرب من ثلث راتبي..يستهلك الثلث الآخر مصروفات طعامي وشرابي وبعض الأشياء الأخرى..ويبتبقى الثلث الآخير للمواصلات والطواريء..
المشكلة ليست فيما يقارب الألف وستمائة جنيه تقريبا هي كل ما أحصل عليها..
المشكلة في أنني أحصل عليها مجزأة..البعض من المستشفى.."مقابل حافز الطب النفسي والتقييم"..والبعض من مكان عملي الفعلي في أبو حماد.."المرتب الأصلي.."..ثم بعض النثريات..مقابل العدوى..النوباتجيات..حوافز..إلخ..
كل هذه المسميات لا تعنيني في شيء لأنها في النهاية ليست سوى ملاليم فعليا..أقبضها على مدار أسابيع متتابعة ومتباعدة..
أنا أسكن في الزقازيق..وتكليفي في إدارة الصحة بأبو حماد..وعملي في القاهرة..أحضر جواب انتظام من المستشفى..بأنني شخص منتظم بالعمل وأواظب على الحضور..لأسلمه في الإدارة..التي تبعثه للوحدة الصحية..التي تقوم بعمل استمارة المرتب وتقوم بإرسالها مجددا للإدارة..التي تقوم بتحرير شيك به ما يقارب المائتين والأربعين جنيها..
كل هذا في مشوار ليوم..أقوم فيه بتسليم الخطاب..ثم أنتظر أسبوعين..ثم أعود يوما آخر لاستلام الشيك..
في نموذج رائع لكيف تدار هذه الدولة العظيمة..
مؤخرا..كنت أشعر بالآسى من نظرة الرجل في البنك..في فرع أبو حماد.."فرع أبو حماد لأن فرع الزقازيق يرفض الصرف"..فأقوم بتجميع ثلاثة خطابات أو خطاب مجمع به ثلاثة أشهر..ثم أقوم بتسلمها مرة واحدة..
الموظفة هناك في الإدارة المالية تدعى أ.إيمان..وهي سيدة بالغة الاحترام..تقوم بتجهيز الشيكات قبل أن أحضر لاستلامها..وقبل أن تتسلم مني خطابات الانتظام أصلا..
وقد ورفضت أن تأخذ مني مقابلا لما تقدمه لي من خدمة..
على العكس من دولة منهارة..فهي نموذج رائع وحقيقي لكيف يكون موظف يتقي الله في عمله..
ويتمتع بالمرونة الكافية لتخطي عقبات إدارية عقيمة..
*-*-*
هناك طريق آخر بالتأكيد..
لكنني كنت أخذت القرار النهائي الذي لا رجعة فيه..
لن أعمل في مستفى أو عيادة أخرى بعد تلك الفترة التي قضيتها في مستشفى الدار..في اليوم الأخير لمغادرة المستشفى..واستلامي العمل في العباسية..
لن أعمل خادما عند أحد بعد اليوم..سيكون عمل في مستشفى العباسية فقط لا غير..
لن أستنزف جهدي في عمل خاص..يستنزف وقتي وحياتي بدون مقابل يذكر..
وسيكون جهدي كله متمركزا حول أن أتعلم الطب النفسي..وأن أقرأ..وأن أقوم بحضور الدورات التدريبية المختلفة..لأكون طبيبا ناجحا..وليس طبيبا مشهورا في السوق..
لذلك..تخيل أنني أعيش على الفتات..مقابل ليس له قيمة على مدار أسابيع..
فتأتي في وقت ما أزمة طاحنة..تقضي على كل أمل حقيقي لي في أن أكون انسانا يمارس حياته..
هذه هي الحياة هنا..
هذه هي حياة طبيب شاب في مصر..
أعيش مجازا في الزقازيق..أعمل مجازا في مستشفى العباسية..وأتلقى راتبي مجازا من إدارة أبو حماد..
هذه خياة مجازية تليق بدولة مجاز كهذه..
صورة خطاب الانتظام..من مسؤول الدفتر اللذي كان سكرتير مكتب المدير العام حينئذ أ.شحات..وذلك عن شهر نوفمبر 2010


صورة شك المرتب..وبه الأساسي الذي أتقاضاه..مائتين وواحد وأربعين جنيها..وخمسة وتسعين قرشا..:)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8