حياة طبيب

القاهرة.. مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة.. الأحد: 19 سبتمبر 2010  -  11:30 صباحا.. مرة أخرى أتغيب بدون سابق إنذار.. من أمن العقوبة يا صديقي.. من أمن العقوبة.. *-*-* أنا أدفن هنا.. القسم الذي لا يحوي سوى حالات مستقرة لن تتغير..ولن تخرج قريبا.. دعني أصف لك كيف أبدأ يومي.. أقوم بالدق على الباب الحديدي..تفتح لي العاملة الباب.. ألقي التحية..وأدخل للغرفة التي فيها مكتب الطبيب.. تأتي "فاطمة"..أو "ماري"..أيهما أسرع..ربما تسبقني بالدخول للمكتب أصلا.. تقول فاطمة: -ازيك..هات قرش.. الجملة المعتادة لها..تكررها مرارا وتكرارا..لا تخرج حتى تأخذ ربع جنيه.. لا بد أن تكون ربع جنيه..أو أي عملة معدنية في جيبي.. تأخذه..تنظر إليه قليلا بعينها الوحيدة..ثم تخرج.. "ماري" تدخل..تبادرني بـ "صباح الخير..النهاردة عيدنا..فين العيدية..؟" مرة أخرى أعبث في جيوبي باحثا عن أي عملات معدنية أخرى..تأخذها..تخرج لتعلن للأخريات أن خطيبها –الذي هو أنا- أعطاها العيدية.. الآن حان موعد دخول "زينب"..تقول: "مضايقة.." ثم تعلن أن: "عايزة أر

القاهرة.. م.العباسية..وحدة السيدات المطورة.. الإثنين: 13 سبتمبر 2010  -  12:30 ظهرا.. تقول لي: لفد استراحت.. بينما أنظر إلى اللا شيء.. لا أجد أي تعليق.. هناك تلك الأوقات التي ترجو أن تمر فقط.. *-*-* ماتت "ليلى".. تذكر أنت تلك المريضة المتقدمة في السن..التي حدثتك عنها سابقا.. كانت قد انتهت تماما بأثر المرض النفسي والعزلة واليأس.. هيكل سفينة مهجورة قضى عليه الصدأ..لكنه لا يزال يكافح كي تظل ساريته في الهواء.. رأيت سابقا ذلك البرنامج..الحلزون الأم التي تحتوي صغارها بداخلها..تتركهم يتغذون على أحشائها..يكبرون..بينما تنتهي هي ببطء.. في النهاية يذهبون لحال سبيلهم تاركين وراءهم صدفة فارغة..  تذوي بعد وقت طويل..تقول أن هناك من عاش بداخلها يوما.. "سأقرأ فيما بعد تعبيرا بلاغيا قيما يصف حالة مريض كهذا: صدفة فارغة – An empty shell ، للدلالة على أن روحه تموت قبل جسده بكثير.." ماتت ليلى في فترة الأجازة التي قضيتها بعيدا عن القسم.. ماتت..ولم أعرف إلا حين أخبرتني رئيسة التمريض بشكل عارض..وتقول لي: استراحت.. بينما أنا أطيل النظر للا شيء.. *-*-* في العالم ال

القاهرة.. م.العباسية..وحدة السيدات المطورة.. الإثنين 13 سبتمبر 2010  -  9:30 صباحا.. أسبوع كامل مر منذ أن وطئت قدماي هذا المكان.. عدت محملا بذنب هائل..وخوف من تسببي في ضرر لا نهاية له.. عدت وقد أتصور في مخيلتي سيناريوهات الفوضى التي ستهب على المكان كإعصار مريع.. أو كريح لا تبقي..ولا تذر.. *-*-* لكن شيئا من هذا لم يحدث..ّ!! أسبوع كامل..منذ غادرت يوم الأحد الفائت ظهرا..ثم تغيبي عن الحضور أيام الإثنين..والثلاثاء..والأربعاء..الذي يوافق اليوم الأخير في رمضان..قبل وقفة عيد الفطر..يوم الأجازة الأول مباشرة.. ثم يستتبع ذلك الإجازة التي طالت أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد.. قانونا..أنا غير ملزم بالحضور أيام الأجازات..لكن المشكلة أنها اتصلت بأيام الغياب السابقة.. كنت قد قررت أن أتي يوم الأحد ليلا..والمبيت..تحسبا لأي عائق قد يحدث.. يكفيني ما صنعت الأيام الفائتة.. ولأنتظر العقاب العادل على ما فعلت.. ولأرى بنفسي الكارثة التي صنعتها يدي.. *-*-* لكن شيئا من هذا لم يحدث..!! كل الكوابيس الغامضة التي تخيلتها وعشتها لم تحدث.. رباه..الأيام اللعينة تأبى أن تمر.. هل يوجد شيء مثل

القاهرة.. مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة.. الأحد 5 سبتمبر 2010  -  11:30 صباحا.. أدخل الوحدة صباحا..فأجد إعلانا مبهجا عن درس عملي يشرف عليه د.محمد فخر الاسلام.. يقدم الحالة طبيب مقيم..ويعلق على تقديمه الاستشاري..وهو د.فخر الاسلام.. يحقق ذلك الاستفادة القصوى لمن سيقدم الحالة..ولمن سيح         ضر الدرس.. التقديم كذلك سيكون في قسم مجاور لقسمي..على بعد أمتار قليلة.. الأيام الخوالى تعود يا صديقي.. *-*-* ذهبت للقسم في تمام العاشرة..أدخل للمرضة..أسألها عن مكان الدرس..لكنها لا تعرف شيئا.. عدت للإعلان لأتأكد..لأجد الإعلان مكتوب كالتالي: العاشرة ظهرا..! العاشرة ظهرا..؟! إذن..ببعض الخيال..أفكر أن الدرس سيكون في الواحدة ظهرا..ولكن تم إضافة الصفر بالخطأ.. إذن..سأعود في الساعة الواحدة..؟ لماذا لم أتصل بـ د.نهلة لأسألها عن الأمر..؟ لا أعلم..قدرت أن الأمر لا يستحق..بالتأكي هو خطأ في طباعة الإعلان.. *-*-* لا نهاية للغباء البشري يا صديقي.. أعدت اكتشاف هذه النظرية الشهيرة عندما ذهبت لمكتب المديرة لأنهي ورقة ما..لأجد د.فخر الاسلام هناك..!! الساعة كانت الحادية عشر والنصف تقريب