المشاركات

عرض المشاركات من يونيو, ٢٠١٣

مستشفى الطواريء..32

مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 28 – 2 – 2009  -  8:00 صباحا.. أخرج من باب الاستقبال.. هذه آخر مرة لي هنا بالزي الرسمي.. أتوقف للحظات بالخارج..أتذكر.. يأتي عقلى بشريط زمني منذ اللحظات الأولى في سنة الامتياز.. البداية..                           قسم النساء والتوليد..التزاحم على دفتر الحضور..تعنت الموظف المصر على ارتدائنا المعطف الأبيض.. سخرية النواب..صرخات النساء اللاتي أوشكن على الولادة.. ضحكات الممرضات..ذلك الطبيب السخيف..تلك النائب التي تكرهها بلا سبب منطقي.. قسم الأمراض الباطنة.. وأملك أن يكون ذلك ماتريد.. حماسك..الذي تحول إلى رماد..بفعل فاعل..أو فاعلين.. المآسي التي كنت تعايشها يوميا..أكياس الدم التي تحملها ذهابا وإيابا.. سهرك الطويل..زملاؤك الأوغاد.. المرارة التي كانت ترتسم بداخلك.. والألم.. الألم ياصديقي..  والمرضى الفقراء الذين لايملكون شيئا.. قسم الجراحة.. أيام بغيضة..وبشاعة تتجاوز كل حد ممكن.. شعورك أنك لاتنتمي لهذا العالم.. أنك تريد الابتعاد.. وأنك محاصر.. هروبك المتكرر إلى مستشفى الحوادث..علك تجد ثمة مساعدة ما.. واحتماؤك من ن

مستشفى الطواريء..31

مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 28 – 2 – 2009  -  7:00 صباحا.. ولابأس من هدية صغيرة قبل الرحيل ياصديق.. شاب ثلاثيني..يأتي محولا من مستشفى خاص.. لاتنفس..لانبض..وجه مزرق تماما.. هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها صورة الموت هذه.. ركضا ذهبت لغرفة عمليات الطواريء..أيقظت الطبيبة نائب الباطنة..التي استدعت نائب التخدير بدورها.. لكن..الحقيقة أن الأمر قد انتهى من قبل البداية أصلا.. لم يكن هناك أي أمل ياصديقي.. ولم يكن هناك مفر..من قبول الهدية الأخيرة..

مستشفى الطواريء..30

مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 28 – 2 – 2009  -  6:10 صباحا.. وقت شروق الشمس.. هذه لحظة رائعة أخرى..حين ترى الشمس من خلف إسدال أزرق خفيف.. كان معي صديق من الطلبة الأصغر سنا.. وقد عاد لمنزله الآن.. لذلك أتجه للشارع..أعتقد أنه قد حان الوقت لبعض الذكريات التي ستبقى معي للأبد.. أخرج هاتفي المحمول..وأبدأ في التقاط صور لكل شيء.. مبنى الاستقبال..مبنى الولادة..الساحة الواسعة..مبنى الجراحة.. الشوارع أمام المستشفى..المباني العالية المطلة عليها..الشجرة التي بدأت أوراقها –في غير موعدها- وأزهارها في التطاول.. أحاول أن أحتفظ بتلك الصورة النهائية لكل شيء.. فقط..أحاول.. ثم أعود إلى الداخل مرة أخرى..

مستشفى الطواريء..29

مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 28 – 2 – 2009  -  4:15 فجرا.. خرجت إلى حيث الساحة الواسعة أمام المستشفى.. هناك رذاذ متساقط من السماء.. لكن في نفس الوقت..لم تكن هناك البرودة القارسة التي تنخر العظام.. هذا جو غير معتاد.. هذا جو رائع الحقيقة.. وكأنما تذكرت السماء أننا مازلنا نحتفل بفصل الشتاء.. لكنه شتاء ليس بأي شتاء..!! أسير ببطء..أنظر للسماء عبر نظارة غطت عدساتها قطرات من المياه.. أتجه إلى حيث الحانوت الوحيد الذي يسهر حتى هذه اللحظة.. أقف هناك للحظات..أفكر أن أبتاع شيئا.. أعدل عن الفكرة.. ثم أعود أدراجي من حيث أتيت..

مستشفى الطواريء..28

مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 28 – 2 – 2009  -  12:40 بعد منتصف الليل.. هكذا تمضي الأمور هنا.. هكذا نكتب النهاية.. بعض الوقت الفارغ الذي يسمح لي بالمزيد من التأمل.. وكأنما اليوم يشاركني الشعور الممض بالانقضاء..فيأتي هادئا رتيبا.. أتأمل..أفكر.. ماذا عساي أن أكتب في اللحظات المتبقية..

مستشفى الطواريء..27

مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 28 – 2 – 2009  -  11:15 مساءً.. الأمور تمضي برتابة هنا.. ذات الحالات المرضية.. ذات الوجوه المتعبة السقيمة.. التي تريد الخلاص.. الآن..أنا وحيد هنا.. قد مضى زملائي..ولايوجد أحد من الطلبة الأصغر سنا.. لنكمل العد التنازلي ياصديقي.. فهذا هو ماتبقى لنا هنا..

مستشفى الطواريء..26

 مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 28 – 2 – 2009  -  9:00 مساءً.. اليوم الأخير.. جئت متأخرا بعض الشيء.. لم أوقع بالحضور.. ربما أردت ألا أقطع الصلة الأخيرة لي هنا.. هي فكرة جالت بخاطري.. أنني لو لم أقم بالتوقيع في دفتر الحضور..فلسوف أترك أثرا ممتدا ما.. فكرة لامعقولة.. لكن هكذا النهايات ياصديقي.. تدفعك بلامنطقيتها للامعقول..!!

مستشفى الطواريء..25

مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 27 – 2 – 2009  -  4:50 فجرا.. سأفتقد هذه الأيام بالتأكيد.. وحيدا.. هاهنا أجلس على المقاعد البلاستيكية المهلكة للظهر..في استقبال الطواريء الفارغ..بالرغم من أن الحالات من المفترض أن تأتي لهنا.."استقبال ساخن" أسمع صوت القرآن الذي يسبق أذان الفجر يتردد من بعيد.. إذن ياصديقي.. بعض الشجن لن يضر أحدا..!! *-*-* اليوم قبل الأخير في سنة الامتياز..تمضي الساعات ببطء.. بالرغم من كل شيء..فقد كانت تلك سنة مميزة في حياتي.. لكنه ذلك الشعور الذي ينتابني الآن.. الأقرب لشعور مسافر في قطار..ركب في محطة ما..وظل ينظر من خلال الشباك المجاور له على كل مايقابله من أشياء.. يتراوح عليه الليل والنهار..وهو مستمر في تأمله لكل ماحوله.. الآن..وقد أوشكت الرحلة على الإنتهاء.. قد قارب القطر محطته النهائية.. وأبطأ من سرعته استعدادا لما هو آت.. *-*-* أخرج من باب الاستقبال.. أرقب بدايات الشروق..الشوارع الخالية.."يبدو أنها أصبحت هواية أثيرة لدي" ماء المطر الذي انهمر في الليلة السابقة..وقد تجمع في برك مختلفة الحجم.. البرودة القارصة الت

مستشفى الطواريء..24

مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 25 – 2 – 2009  -  4:15 فجرا.. بعد أن يتلاعب النوم برأسك.. وبعد أن تكون قد شارفت نهاية تفكيرك.. تبدأ في إدراك معان عظيمة حقا..قلما تدركها في مكان آخر..وفي غير فترة السهر في المستشفى.. مثلا.. الآن أدرك معنى الانكسار.. أن ترى شابا يقارب الثلاثين..يصحبه أبوه وأمه في هذا الوقت بسبب ألم في صدره.. شاب يكاد أن يكون كفيفا..بسبب مرض لعين يدعى "البول السكري"..(المعروف باسم السكر) هل رأيت الانكسار على وجه أبيه المتعب.. هل رأيته في عيني أمه المرهقتين.. في ملامح الشاب نفسه..في ملابسه المهملة..في استكانته.. في حالهم البائس.. أي انكسار لعين هذا.. أي انكسار.. *-*-* بالرغم من شعوري الأسود السابق..وبرغم قتامة الصورة..كان لدي شعور آخر.. الحنين.. الحنين لتلك الصورة المثالية.. الحنين لأن أكون طفلا بين أبويه..يفعلان كل مابوسعهما..كل مابوسعهما..من أجلي.. الحنين لصورة قديمة..لي وأنا طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره.. قد توسدت رجلي أمي..وأبي يتابع وضع كمادات باردة على جبهتي..في محاولة بائسة لتخفيض حرارتي.. صورتهما في عيني..وأبي يبتسم.

مستشفى الطواريء..23 مكرر

مستشفى الطواريء.. الاستقبال.. 24 – 2 – 2009  -  1:50 بعد منتصف الليل.. لأن الانطباع الأول يدوم.. فإن انطباعي لم يتغير عن نائب الأمراض الباطنة هذا..منذ قابلته أول مرة.. ببروده..وسماجته..وجمودية ملامحه وحركاته.. بالرغم من أن الانطباع الأول قد يكون خاطئا.. وربما هو أمر لاحيلة له فيه..ويحتاج منه جهد مضاعف كي يستطيع تغيير صورته.. لكني الآن -وعلى عكس ماتبدوا عليه ملامحه- أراه يمارس عمله بحماس حقا..وبقبول كبير.. وذلك –وياللعجب- في يوم استقبال بارد مثل اليوم.. ربما يتذمر بعض الشيء..لكنه سرعان مايعود لملامحه الأولى.. لا أدري.. أعتقد أنني سأحتاج لبعض الوقت كي أغير عنه فكرتي الأولى.. وبعض الجهد كذلك..