مستشفى الطواريء..32

مستشفى الطواريء..
الاستقبال..
28 – 2 – 2009  -  8:00 صباحا..
أخرج من باب الاستقبال..
هذه آخر مرة لي هنا بالزي الرسمي..
أتوقف للحظات بالخارج..أتذكر..
يأتي عقلى بشريط زمني منذ اللحظات الأولى في سنة الامتياز..
البداية..                          
قسم النساء والتوليد..التزاحم على دفتر الحضور..تعنت الموظف المصر على ارتدائنا المعطف الأبيض..
سخرية النواب..صرخات النساء اللاتي أوشكن على الولادة..
ضحكات الممرضات..ذلك الطبيب السخيف..تلك النائب التي تكرهها بلا سبب منطقي..
قسم الأمراض الباطنة..
وأملك أن يكون ذلك ماتريد..
حماسك..الذي تحول إلى رماد..بفعل فاعل..أو فاعلين..
المآسي التي كنت تعايشها يوميا..أكياس الدم التي تحملها ذهابا وإيابا..
سهرك الطويل..زملاؤك الأوغاد..
المرارة التي كانت ترتسم بداخلك..
والألم..
الألم ياصديقي..
 والمرضى الفقراء الذين لايملكون شيئا..
قسم الجراحة..
أيام بغيضة..وبشاعة تتجاوز كل حد ممكن..
شعورك أنك لاتنتمي لهذا العالم..
أنك تريد الابتعاد..
وأنك محاصر..
هروبك المتكرر إلى مستشفى الحوادث..علك تجد ثمة مساعدة ما..
واحتماؤك من نفسك بنفسك..
مستشفى الأطفال..
أيام كئيبة مظلمة..ومنظومة متكررة من الانسحاق بالآلام..
تتذكر تسنيم..والرضيع الذي توفى بين يديك..كان اسمه مصطفى..لن تنساه..
الأقسام الخاصة..
والتي تمثل لك الحصن الأخير لإنقاذ نفسك..
رغبة في التمرد على الوضع المزري..وأمل يتضاءل باستمرار..
أنك ستنتصر على نفسك..
ستصل قبل أذان الرحيل..
ثم الانكسار..وحياة اليأس..
قسم التخدير..
المحطة قبل الأخيرة..وشرارة خافتة..
لم تلبث إلا قليلا..
حياة الفراغ المقيتة..ومحاولات غير جادة..غير مجدية..لإنقاذ مايمكن إنقاذه..
ثم تلقى النهاية..
هنا..على أبواب مستشفى الطواريء..والاستقبال..
الآن..لايوجد أي تعبير حقيقي يمكن وصفه عما بداخلي..
الآن..لاشيء سوى خواء رهيب..يبتلعني بداخله..وأنا أمضي في طريقي..
عائدا لمنزلي..لا ألتفت ورائي..
وصوت خفي لا أدرك مصدره..يردد:
وداعا..
وداعا..



تعليقات

  1. رائع كالعادة ... أنا ذلك ال " ميزو" الذى صبرته فى تعليق سابق :) .... ياترى هل هناك كتابات أخرى لما بعد فترة الامتياز ؟ ... أتمنى ذلك وأرجو أن تنشرها ... أنا فى انتظار تدويناتك الرائعة ولكن اسمح لى أن أسألك أين أنت الان ؟ أقصد مهنيا ؟ هل تخصصت " نفسية " كما كنت تنوى أم ماذا ؟ ... صديقك من وراء شاشة الكمبيوتر :) أو اسمح لى أن أكون ذلك ....

    ردحذف
  2. ياه..
    12 يونيو..
    أنا آسف ياصديق..
    الحقيقة من ساعة مابتديت كتابة اليوميات دي من بدايات الكلية..وانتظمت في كتابتها في الامتياز..ومن ساعتها وأنا مش بأفوت مرحلة..
    المرحلة التانية هتبقى التكليف..
    المرحلة التالتة هتبقى المرحلة الحالية..وده ردا على سؤالك عن مكاني حاليا..
    أنا طبيب مقيم في مستشفى العباسية للصحة النفسية..من سنة 2010..
    يعني أنا متأخر في تبييض يومياتي بحوالي خمس سنين..
    تحياتي دايما..

    ردحذف
  3. ده يعنى انى هفضل متابعك لخمس سنين قدام .... ما أروع كتاباتك ... لا تتأخر ... فى انتظار التدوينات ....

    ردحذف
  4. شكرا جزيلا..
    :)
    بانتظارك دايما..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8