مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة..25
القاهرة..
مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة..
الأربعاء: 20 – 10 – 2010 - 10:30 صباحا..
مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة..
الأربعاء: 20 – 10 – 2010 - 10:30 صباحا..
"فاطمة"
لن تطالبني بقرش آخر بعد اليوم..
اهنأ بالا..
*-*-*
اهنأ بالا..
*-*-*
هل كانت تشعر
بالألم مثلنا..؟
أم قد غير المرض أو الأدوية التي من المفترض أن تعالج المرض- من طريقة إحساسها بالألم..؟
بم شعرت إذن عندما سقطت..وكسر ساعدها..أو عندما تأتيها النوبة الصرعية ويرتطم رأسها بالأرض الصلبة..؟
أم عندما احترقت أصابعها بفعل الماء المغلي من صنبور الماء الساخن من البراد..؟
هل تؤلمها الكدمات والجروح القطعية التي تصاب بها كل حين..؟
هل يؤلمها مكان عينها التالفة..؟
أسئلة قد ولى زمن إجابتها..
*-*-*
أم قد غير المرض أو الأدوية التي من المفترض أن تعالج المرض- من طريقة إحساسها بالألم..؟
بم شعرت إذن عندما سقطت..وكسر ساعدها..أو عندما تأتيها النوبة الصرعية ويرتطم رأسها بالأرض الصلبة..؟
أم عندما احترقت أصابعها بفعل الماء المغلي من صنبور الماء الساخن من البراد..؟
هل تؤلمها الكدمات والجروح القطعية التي تصاب بها كل حين..؟
هل يؤلمها مكان عينها التالفة..؟
أسئلة قد ولى زمن إجابتها..
*-*-*
الآن نأتي للمرحلة
المكررة المعتادة: تأنيب الضمير..وجلد الذات..
الأسئلة المستمرة التي لا أجد إجابة لها بسهولة:
هل فعلت كل ما ينبغي علي فعله من مسؤولياتي تجاه هذه المريضة..
هل أديت حقا واجبي نحوها..؟
إذن لم استمرت في التدهور..لم استمرت النوبات..؟
أين التقصير..هل أتحمله أنا كله..أم أتحمل جزءا منه فحسب..ويحمل الأخصائي والاستشاري والمدير جزءا منه..؟
هل النظام هو المعيب فعلا..؟ طيب..ما أنا جزء من هذا النظام..
هل كان من المفترض أن أفعل شيئا ولم أفعله..؟
هل أنا مقصر فعلا..فأشعر بالذنب..وأؤنب نفسي بشدة..لأجل التطهر..
هل أبالغ في تحملي للمسؤولية هنا..؟
هل كل هذا يجدي نفعا..؟
في النهاية..ماتت مريضة مجهولة الهوية..تدعى "فاطمة"..أهملها أهلها طويلا في مستشفى العباسية..كانت تأخذ دواء الله أعلم بدرجة استفادتها منه..وأنا موجود في القسم..
يقول لي صديقي: -كف عما تفعله..هذه سخافة..إما أن تقرر أنك فعلت كل ما ينبغي فعله..وإلا أن تقر بتقصيرك..فتنال نصيبك..وتبحث عن حل..لكن كل هذا لا يجدي نفعا..
أسأل نفسي: - أي حل الآن..
*-*-*
الأسئلة المستمرة التي لا أجد إجابة لها بسهولة:
هل فعلت كل ما ينبغي علي فعله من مسؤولياتي تجاه هذه المريضة..
هل أديت حقا واجبي نحوها..؟
إذن لم استمرت في التدهور..لم استمرت النوبات..؟
أين التقصير..هل أتحمله أنا كله..أم أتحمل جزءا منه فحسب..ويحمل الأخصائي والاستشاري والمدير جزءا منه..؟
هل النظام هو المعيب فعلا..؟ طيب..ما أنا جزء من هذا النظام..
هل كان من المفترض أن أفعل شيئا ولم أفعله..؟
هل أنا مقصر فعلا..فأشعر بالذنب..وأؤنب نفسي بشدة..لأجل التطهر..
هل أبالغ في تحملي للمسؤولية هنا..؟
هل كل هذا يجدي نفعا..؟
في النهاية..ماتت مريضة مجهولة الهوية..تدعى "فاطمة"..أهملها أهلها طويلا في مستشفى العباسية..كانت تأخذ دواء الله أعلم بدرجة استفادتها منه..وأنا موجود في القسم..
يقول لي صديقي: -كف عما تفعله..هذه سخافة..إما أن تقرر أنك فعلت كل ما ينبغي فعله..وإلا أن تقر بتقصيرك..فتنال نصيبك..وتبحث عن حل..لكن كل هذا لا يجدي نفعا..
أسأل نفسي: - أي حل الآن..
*-*-*
ثم تأتي الأوراق..
وهناك الكثير من الأوراق لو تعلم..
من الممكن استخدام الكثير من التبريرات والحجج في ظل ظروف مرتبكة ومتداخلة..ساعتها..من السهل التخلص من المسؤولية وإلقائها على عاتق أي شخص آخر..أي جزء آخر من النظام..
تم استدعائي لتغيير كلمة "الماء المغلي" بـ "الشاي المغلي"..
هناك لجنة من حقوق المرضى..ولجنة وفيات ستدرس ملف المريضة..وربما كلمة كهذه ستفتح باب الأذى لمن لا ذنب له..
أدرك جيدا أن التمريض قد قام بواجبه بشكل كبير لرعاية المريضة..لكن من الصعب أن تتابع مريضة كهذه وسط ما يقارب الخمس وثلاثين مريضة أخرى..وتهتم بإطعامهم وأدويتهم..في ظل نقص كبير في عدد القائمين على الرعاية هنا..وفي ظل وجود ممرضتين فحسب وقت النوبتجية..
إذن..المهم أن تمتليء الأوراق بما لا يغضب أحدا..
المريضة ماتت..وذهبت لبارئها..
من قصر في حقها سيفلت من عقاب الدنيا..لكنه سيمثل أمام الله يوما..ليلقى حسابه كاملا بلا نقصان..
أمن المرضى..سلامة المرضى..لا علاقة له بأرض الواقع..
لا تنظر للسكين هناك من فضلك..لا تلق بالاً لعلب المياه الغازية المعدنية ذات الفتحة الحادة..
لا تنظر أيضا للملاءات المهترئة..ولا تهتم للرائحة المقتة..فالمنظفات الرخيصة التي تستخدم هنا تحاول ما بوسعها..
لا تهتم لطعم الطعام وشكله..لا تهتم للمريضات الحافيات..هن يفضلن ذلك..
تجاوز أرجوك عن الجروح والكدمات في وجه المريضة..أثبتناها سابقا وعزوناها لنوبات لم تفلح الأدوية في إجهاضها..
لا تهتم للمباني التي تم تجديدها لكنها تشققت سريعا..لا تهتم..فكل هذه مظاهر خارجية براقة..
أنهي أوراقك..وقع..
نعم..هكذا..وقع هذه الورقة أيضا..
ثم: -شكرا جزيلا..
اذهب لمنزلك يا صديقي..حاول أن تتجاوزها..حاول أن تتجاوز ما قالته لك سابقا كثيرا- بشأن أخ محجوز بالمستشفى في عنبر الرجال..كل هذا لم يثبت صحته..ولا داع لبذل أي مجهود بِشأنه الآن..
ستدفن في مقابر الصدقة..وسيحاول أحدهم أن يتوصل لأي من أقربائها المثبتين في ملفاتها القديمة..
ثم سينسى الجميع..
ادع ربك بالمغفرة..
رحمته وسعت كل شيء..
(الآن..أكتب
هذه الكلمات: قصة الحرص في الأصابع الثلاثة في اليد اليمنى: كان هناك خطأ في أن
البراد لم توقف فيه ماسورة المياه الساخنة لأنه نمط قديم..ولم يدرك البعض أن ذلك
قد يتسبب في أذى لأحد..وتم إصلاح الخطأ..والحرق في أصابع اليد لم يكن بالغا..وتم
تداركه..وليس له علاقة بالضرورة بوفاتها..وهناك الكثير من الأوراق لو تعلم..
من الممكن استخدام الكثير من التبريرات والحجج في ظل ظروف مرتبكة ومتداخلة..ساعتها..من السهل التخلص من المسؤولية وإلقائها على عاتق أي شخص آخر..أي جزء آخر من النظام..
تم استدعائي لتغيير كلمة "الماء المغلي" بـ "الشاي المغلي"..
هناك لجنة من حقوق المرضى..ولجنة وفيات ستدرس ملف المريضة..وربما كلمة كهذه ستفتح باب الأذى لمن لا ذنب له..
أدرك جيدا أن التمريض قد قام بواجبه بشكل كبير لرعاية المريضة..لكن من الصعب أن تتابع مريضة كهذه وسط ما يقارب الخمس وثلاثين مريضة أخرى..وتهتم بإطعامهم وأدويتهم..في ظل نقص كبير في عدد القائمين على الرعاية هنا..وفي ظل وجود ممرضتين فحسب وقت النوبتجية..
إذن..المهم أن تمتليء الأوراق بما لا يغضب أحدا..
المريضة ماتت..وذهبت لبارئها..
من قصر في حقها سيفلت من عقاب الدنيا..لكنه سيمثل أمام الله يوما..ليلقى حسابه كاملا بلا نقصان..
أمن المرضى..سلامة المرضى..لا علاقة له بأرض الواقع..
لا تنظر للسكين هناك من فضلك..لا تلق بالاً لعلب المياه الغازية المعدنية ذات الفتحة الحادة..
لا تنظر أيضا للملاءات المهترئة..ولا تهتم للرائحة المقتة..فالمنظفات الرخيصة التي تستخدم هنا تحاول ما بوسعها..
لا تهتم لطعم الطعام وشكله..لا تهتم للمريضات الحافيات..هن يفضلن ذلك..
تجاوز أرجوك عن الجروح والكدمات في وجه المريضة..أثبتناها سابقا وعزوناها لنوبات لم تفلح الأدوية في إجهاضها..
لا تهتم للمباني التي تم تجديدها لكنها تشققت سريعا..لا تهتم..فكل هذه مظاهر خارجية براقة..
أنهي أوراقك..وقع..
نعم..هكذا..وقع هذه الورقة أيضا..
ثم: -شكرا جزيلا..
اذهب لمنزلك يا صديقي..حاول أن تتجاوزها..حاول أن تتجاوز ما قالته لك سابقا كثيرا- بشأن أخ محجوز بالمستشفى في عنبر الرجال..كل هذا لم يثبت صحته..ولا داع لبذل أي مجهود بِشأنه الآن..
ستدفن في مقابر الصدقة..وسيحاول أحدهم أن يتوصل لأي من أقربائها المثبتين في ملفاتها القديمة..
ثم سينسى الجميع..
ادع ربك بالمغفرة..
رحمته وسعت كل شيء..
الحقيقة الأخرى التي لا أستطيع إلا ذكرها: هناك من اعتنى بالمريضة في حالة شديدة البؤس حتى توفاها الله في هذا اليوم..عمر مديد قضته في العباسية..ووجدت من يعني بها –حتى ولو كانت أقل عناية ممكنة- بدلا من رميها في الشوارع..
شتان الفرق بين ما كتبته تلك الأيام وبين ما أكتبه الآن..هل نضجت أخيرا وأصبحت لا أبالي بشيء..؟)
تعليقات
إرسال تعليق