مشتول السوق..وحدة المنير..36

مشتول السوق..
وحدة المنير..
23 – 9 – 2009  -  11:00 صباحا..
العودة للوحدة من جديد..
قلت لك سابقا أن سيزيف كان أسعد حالا مني بكثير..
لكنك لم تصدقني..
اللعنة عليك إذن..!!
*-*-*
ثلاثة عشر يوما منذ كنت هنا في آخر مرة..
أجازة العيد..الأيام التي أتغيب فيها عن الوحدة حسب تقسيم العمل..ويومين آخرين..اعتبرتهما أجازة بمناسبة الأجازة..
مالذي أفعله في الأجازة..؟
أكتب بعض الأشياء الخاصة بما أفعله في حياتي خارج هذه الأوراق..وهي لاتخلو من كآبات متعددة..
الحقيقة أنني لم أكن في أجازة فعلية..فقط ابتعدت عن الوحدة بعض الشيء..
ثم عدت إليها من جديد..
الطبيبة الأولى ومديرة المركز لم تحاسبني على أي شيء..
لا على أيام غبتها..ولا على أيام حضرتها..
أنا فقط أكمل الحضور من حولها كهالة يومية للعمل..
هي الطبيبة ابنة البلدة..والتي يثق الجميع بها..بينما هي تعمل هنا منذ أكثر من سنتين..
لماذا يقبل شخص ما أن يضع حياته أو حياة طفله بين يدي..
حاولت أكثر من مرة أن أقرأ في أي كتاب..
اشتريت كتاب أطفال كبير الحجم..ثم سأمت منه..راجعت كتاب الأطفال الذي كنت أذاكر منه سابقا..ولم يختلف الأمر كثيرا..
ولم يختلف مصيره عن الآخر..
لم أكن أشعر براحة كبيرة إزاء هذا الوضع المنزوي بالنسبة لي..
مجرد قطعة أثاث في ركن المكان..الأفضل أن تترك بعض المساحة لشيء أكثر فائدة..
لكنني كنت أقل توترا من أي وضع آخر ممكن أن أكون به..
أي انني اخترت أقل الاختيارات ضررا..وأقلهم احتكاكا بالبشر..
وهذه هي الحقيقة بلا أي زيادة أو نقصان..
*-*-*
لم تعلق..ولم أعلق أنا..
وإن كنت حمدت لها كثيرا أنها تفهمت موقفي..
لم أكن أفسر الموقف على أي زاوية أخرى..
فكرت مرة أن أترك لها مقابل "التقييم"..وهو مقابل يرفع المرتب في صورة بدل..ويتم توزيعه على طبيبين فقط في الوحدة..
لكني عدلت عن ذلك فيما بعد..
قلت في نفسي..لن أفعل شيئا..
سأظل هكذا..
أنا فقط مجرد ضيف عابر..لن أرفع صوتي..لن أفعل فعلا مهذبا أو غير مهذب..لن أصدر ضجيجا..
لن أعترض إلا بالسلب..
سأبتعد قدر الامكان..
وحين تحدث مشكلة..سأبتعد أكثر..
وحين تحدث فرحة ما..سابتعد اكثر وأكثر..
*-*-*
أذكر أني في هذه الفترة تكالبت علي الأزمات بشكل لم أعد أقدر على حصره..
لذلك توقفت عن "الفعل"..
التوقف عن الفعل فعل في حد ذاته..أي "السكون"..
لكن حتى هذا توقفت عن فعله..
مايفرق بيني وبين الميت أني كنت فقط أجاهد لالتقاط أنفاسي..
هكذا فقط..
أقضي وقت فراغي في المنزل..
وما أكثر ماقضيت وقتي هناك حقيقة..!!
*-*-*
المهم..هاأنذا..
لازلت على قيد الحياة..وقد قررت أن أعود للـ"فعل" مرة أخرى..
لافائدة ترجى من تشكل وضع الميت بعد الآن..
الحكومة لاتفقه هذه الرفاهية..
أنت ميت..أو حي..
حالة "اللا حياة-اللا موت" هذه تليق بحكومة أكثر تفهما..
ليست هذه الحكومة بالتأكيد..
الغريب أني كنت لازلت أحتفظ بكل الذكريات السيئة..وبمزاج سيء تماما حتى وطئت قدماي البلدة..
حتى وطئت قدماي الوحدة..
فجاة تغير شعوري للأفضل..!
ماذا حدث..؟!
لا أذكر أي شيء على الاطلاق سوى رغبة عارمة في الضحك..
أريد أن أحدث نفسي بأشياء ما..ثم أضحك عليها..
تماسك ياصديقي..تماسك..
أنت أبهرتهم حتى الآن بأدائك الذي لايخيب والذي يليق بشخص مختل..
يكفي هذا..حتى لاتسوء العاقبة..
*-*-*
كتبت في أوراقي "أنا أشعر بالسعادة..صحيح أنها لاتزيد عن سعادة البقرة حين حلبها..إلا أنها تظل سعادة مع ذلك.."
لا أدري كيف كتبت هذه الكلمات..ولم كتبتها هكذا..
فقط أتذكر الان في علم الفسيولوجي..عن مستقبلات الحرارة في الجلد..كيف أن مع الحرارة الفائقة في حدتها..يكون التنبيه  لمسقبلات الحرارة المتدنية "البرودة" أولا..لأنها أقل في درجة استثارتها من الأخرى..
أي أن المياه التي تغلي..ستعطيك لأجزاء أجزاء من الثانية..احساسا بالبرودة القارصة –ربما لن تشعر به أصلا- قبل أن تحرق الحرارة المرتفعة كل المستقبلات..فلايتبقى لديك سوى مستقبلات الألم..
وهذه تبقى طويلا ياصديقي..
 لو تركت لوحدي بعض الشيء..بعد عودتي -وبرغم هذه السعادة مع التغيير بقدومي هنا- لانهرت بالبكاء..
يارب رحمتك..

يارب رحمتك..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8