مشتول السوق..وحدة الصحافة..1

مشتول السوق..
وحدة الصحافة..
25 – 10 – 2009  -  7:30 صباحا..
لم أنم طوال الليل..
كان لدي أحد خيارين..
إما ان أنام..وأكون معرضا لفكرة أن أفقد لحظة الاستيقاظ..فأظل نائما كما البارحة..
أو أظل مستيقظا..وأخاطر بفرصتي في أن أستمر محتفظا بعقلي..
قررت أن أظل مستيقظا..العقل لم يعد له فائدة كبيرة هنا..
كما قررت أن أذهب بالقطار..
أخبروني –كهدية وداع قبل ذهابي من الوحدة القديمة- أن هناك قطار ينطلق من الزقازيق إلى حيث يقف في محطة البلدة في طريقه للقاهرة..أو الاسماعيلية..لا أذكر..
المهم..هذا القطار ينطلق في الساعة الخامسة فجرا كبداية..ثم يكون كل ساعة..
قررت أن أستقل قطار السادسة صباحا..
لابأس..
هي قرارات عظيمة يستتبعها نتائج عظيمة بالضرورة..
*-*-*
لكن ياصديقي..ياصديقي العزيز..
من أين لي أن أدرك أن العاملون بقطارات السكة الحديد قد قرروا الاضراب في هذا اليوم..؟
حتى لو كنت عرافا..لما كنت أتنبأ بهذا..
حركة غريبة منتشرة في المحطة..وازدحام المسافرين على الأرصفة..
وفي شباك التذاكر أخبرني الموظف بلا مبالاة: اضراب..
هكذا بكل بساطة..
تختفي كل مخططاتي لليوم بسبب قرار عظيم كهذا..
"في تلك الأيام السعيدة..كان يوجد اضراب أو اعتصام أو مظاهرة ما في كل يوم في كل بقعة ن الدولة العظيمة..وهذا يدلك على مدى انتشار العدل حقا"
كنت أشعر بالغضب..
في لحظات كهذه..أقرر العودة للمنزل مباشرة..وليذهب الآخرون للجحيم..
لكن..لشيء غامض..قررت أن أكمل الرحلة..
ذهبت لموقف سيارات الأجرة التي اعتدته..واعتادني..
حتى أنني لم أعد أشعر بذات الكره الذي كنت أعلنه له سابقا..
وهو كذلك..
إنه الاعتياد ياصديقي..
*-*-*
السادسة والنصف..عند وصولي للموقف..
حييته بهزة من رأسي..فرد التحية بلا أي مودة..ثم تقلب ليعتدل..ليكمل نومه الهانيء..
شروق الشمس شيء رائع حقا..لكنني لم أكن في حال يسمح لي بأي استمتاع بالطبيعة ولا بأي شيء آخر..
أرمق ما حولي..
سيارات قليلة متناثرة..لكل القرى والمدن والمراكز الأخرى..
إلا هذه اللعينة..
جلست أنتظر..
أنتظر..
أنتظر..
بدأ تأثير السهر الطويل يتلاعب بعقلي..ومعه بدأت أشعر بسخافة موقفي بصورة غير عادية..
نظرت في الساعة..باقي مايقرب من عشر دقائق على المهلة الممنوحة للسيارة حتى تجيء..
أبريء ضميري أمام نفسي..أقول أنني سأنتظر عشر دقائق أخرى..حتى السابعة والنصف..
ثم سأذهب..
هذه المرة..ليذهبوا جميعا إلى الجحيم..
وسأذهب معهم أنا الآخر..
*-*-*
دقيقتين بقيتا..
نهضت..سويت ملابسي..استعددت للذهاب..
ألقيت التحية ببرود على الموقف..الذي ظل مستغرقا في نومه..
يممت وجهي شطر البيت..
لكن..هناك..هناك في الأفق..
يتهادى كسفينة نقل الموتى القادمة من الجحيم مباشرة..بأوامر من السيد وزير الجحيم..
يبذل سائقها كل مافي وسعه للوصول قبل الموعد المحدد..وكأنه في مهمة مجيدة..
هناك هالك يبغي الفرار يا رفاق..
هناك من يريد العودة لبيته..
يقترب أكثر..يثير زوبعة من التراب حولي حين يتوقف بجواري مباشرة..
مبعوث الشياطين الذي أتى لكي يجعلني أكمل المهمة العظيمة التي اختارتها لي الأقدار..
لم أكن أريد أن أنظر في الساعة..
لم يكن هناك أي مبرر لتجاهل هذا الشيء الهادر بجواري..بألوانه الشنيعة..ينتظرني لكي أدخل أحشائه..
لافائدة ياصديقي..
لافائدة..
لنتخذ مقعدنا المفضل بجوار الشباك..
يضغط السائق النفير على سبيل التحية/الانذار بالرحيل..ينبه على البؤساء..الهالكين الآخرين..
لايوجد أحد..لايوجد أحد آخر هنا يارفيق..
يتأكد من وجودي في المرآة الداخلية..
ثم ينطلق..
نبدأ الملحمة..
*-*-*
اللعنة..!!

اللعنة..!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8