مشتول السوق..الخلاص..الجزء الثاني والأخير..

فقط..الشيء المقيت الذي حدث في النهاية..
تلك الاستقطاعت التي كان يجب علي تسديدها قبل انهاء آخر ورقة..
مبالغ بعدة مئات..بعد خصم مئات أخرى من راتبي..الحقيقة أنه تم خصمه بأكمله..
لا بد أنهم كانوا يتساءلون عن أي مجنون كنته لأفقد كل هذه المئات بهذه السهولة..
ولربما تصوروا أنني مثل آخرين..أفقد هذه المئات لأنني أحصل أضعافها في أماكن أخرى..
لا بأس..
أنا لازلت مبتسما..
حتى وأنا افرغ جيوبي كلها أمام الموظف..
حتى وأنا أتلقى عرضا بالمساعدة في صورة مائتي جنيه قرضا من أحدهم..
أبتسم..لهذا الحد..؟
لكن الله كريم كما هو دوما..
أنهي دفع كل المبالغ التي علي بدون الاضطرار للجوء لأي أحد..
لا بد أن أحصل على الورقة اليوم بأي حال..
أنهي كل شيء..
أنهي كل شيء أخيرا..
أخذ الورقة التي نقش عليها رسم النسر الباهت..
حتى أنت ايها المسكين..
لا بأس..
أهبط السلالم للمرة الأخيرة..أخرج من البوابة الواطئة للمرة الأخيرة..
أقف أمام المبنى الحكومي القذر للمرة الآخيرة..
ىخذ نفسا عميقا..
كل سباب الدنيا لن ينقضي..
اللعنة عليكم..
اللعنة عليكم وعلى كل لحظة قضيتها في مكان مقيت كهذا للحظة واحدة..
اللعنة عليكم جميعا واحدا واحدا..
اللعنة عليكم جميعا حتى يوم الدين..
*-*-*
أمضي في طريقي..
أعبث في جيوبي عن أي مبلغ من المال..أي مبلغ يبلغني لأي مكان..
في النهاية أجد جنيها ونصفا..
أقول لنفسي: أيها المجنون..!!
هذا المبلغ لن كون كافيا لتصل حتى للزقازيق..!!
أفكر في اي حل للخروج من هذا المأزق الشنيع..
أتذكر من كنت ألقاهم في الشارع..ويخبرونني أنهم ضلوا الطريق..أو لم تعد هناك معهم أموال كافية للعودة لديارهم..
هل كانوا مثلي..؟
هل كان أحدهم طبيبا شابا دفع كل مامعه ليخلص رقبته من ذلك الرق..؟
ربما..
الحقيقة الماثلة أماي أنه لم يكن في جيبي سوى جنيها ونصفا فقط الآن..

*-*-*
ثم يأتي الحل من السماء..
أتذكر اتصال من زميلتي القديمة بالوحدة التي أتسلم منها مرتبي تفيد بأنه لديها..وأنني يمكن أن أتسلمه في أي وقت..
ليكن..
الجنيه ونصف يكفيانني للذهاب للوحدة..
"لم أكن أضع في حسابي أن أذهب ولا أجدها..او لا أجد الكاتب..أو أجد الوحدة مغلقة لسبب ما..كان هناك ذلك اليقين لدي بأنني سأذهب وسأجدهم هناك..وأتسلم أموالي..ياه على أيام البراءة تلك..!"
أخذت القرار..ركبت من فوري إحدى سيارات الأجرة المتجه للبلدة..
طوال الطريق أمني نفسي بعدة مئات ستفتح أمامي بابا من السعادة لم أكن أتوقعه..
ثم أصل لهناك..
امشي عبر الطريق الترابية الطويلة قاطعا البلدة كلها.
أصل لباب الوحدة..
هناك عدة خطوات بعد لنصل للكنز يا صديقي..
*-*-*
لكن..تلك الحركة غير الطبيعية..!!
مالذي يحدث..؟
هناك ارتباك واضح يعم المكان..
ممرضة تلقي السلام وتفر متعجلة..كاتبة ما كنت أراها لماما..تهرول لمكان ما..
أها..أعتقد أنني أفهم..
زيارة من مسؤول ما..
ربما فاحت رائحة العفن عندما بدأ الأمر –على حد علمي- من تلك الوحدة السابقة التي كنت فيها..
فتحوا الغطاء..ليفاجأوا بأن الأمر تجاوز حدود المألوف من العفن..
زاد عن حده..استشرى لدرجة فاقت الاتفاق الضمني غير المعلن بينهم..
لذلك بدأوا في فتح الأغطية واحدا تلو الآخر..
ربما تفاجأوا من وجود عفن آخر في مكان آخر..
لكنه في النهاية يا صديقي عفن..
*-*-*
لا بأس..لنبحث عن السيد الكاتب..
أخبره بأوان الرحيل..يقول لي كلمات مجاملة بسيطة..ثم يعطيني راتبي الذي استلمه لديه من فترة ما..
لا ينسى طبعا خصم خمسة جنيهات على سبيل الـ "كل سنة وانت طيب"..
أفكر أنهؤلاء يستحقون علبة من الشيكولاتة أيضا..
لكنني أعود فأفكر..يكفي طلتي الكريمة عليهم..وما جلبته معي من شؤم..
أفكر أيضا أن ألقي السلام على الطبيبة سوزان..زميلتي التي لم أر منها يوما ما يسوء..
لكنني ألمحها غارقة حى أذنيها في علية التفتيش الآتي من قبل الإدارة تحت تأثير آخر من قبل الوزارة..
إليك السلام مني يا زميلتي العزيزة..
أستدير..
وأخرج من المكان للمرة الأخيرة..
*-*-*
على قارعة الطريق..في انتظار ما يقلني لمدينة ما..
ربما تأتي سيارة تعود لمشتول السوق..ومن هناك للزقازيق..
أو سيارة تتخذ طريقا مغايرا لبلبيس..
تأتي سيارة..ذات صندوق خلفي..أركب بها بدون نقاش..
دقائق..ثم أرى السيارة تتخذ طريق بلبيس..
أتكيء على المقعد في راحة..
لا بأس..لتذهب بعيدا عن هذا المكان..
لن أريد أن أراه في حياتي مرة أخرى..أو أسمع عنه مطلقا..
قضيت فيه من البؤس ما يكفي ويزيد يا صديقي..
*-*-*

هل انتهت قصتي في مشتول السوق للأبد..؟
أتمنى هذا من كل قلبي..
إلى الجحيم..
لو كان هناك جحيم آخر يختلف عن هذا..

تعليقات

  1. " فتحوا الغطاء..ليفاجأوا بأن الأمر تجاوز حدود المألوف من العفن..
    زاد عن حده..استشرى لدرجة فاقت الاتفاق الضمني غير المعلن بينهم.. "
    توصيف اكثر من رائع ...
    تحية لذلك "العفن" الذى أخرج منك هذا الكم من الابداع :D :P

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8