مشتول السوق..وحدة الصحافة..الأخيرة..

مشتول السوق..
وحدة الصحافة..
11 – 2 – 2010  -  11:00 صباحا..
طالت غيبتي هذه المرة..
كنت أظن أني وصلت للحضيض..لكن هناك المزيد دوما..
هذه المرة كسرت الرقم القياسي السابق..
عشرون يوما كاملة..
لك أن تفخر بذلك..
*-*-*
ضاعت الأيام الفائتة مابين سفر بلا طائل من ورائه..خلف حلم صار شبيها بالسراب..يلوح لك يا صديقي على غير حقيقته..ألا وهو نقل التكليف لإدارة أخرى..
وما بين أيام أتكاسل فيها عن النهوض..أظل ملازما فراشي بلا أي عمل يذكر..محدقا في السقف..متأملا –كالعادة- في روعته..
صار هدفي في تلك الأيام هو الحصول على تأشيرة السيد وكيل الوزارة المختص بشؤون عمال التراحيل/أطباء التكليف/العبيد..على طلبي المعنون بـ "السيد وكيل الوزارة المبجل..إلخ..إلخ..نقل تكليفي..لإدارة..إلخ..إلخ..حيث سماح المجموع..إلخ..أرجوك..أتوسل إليك..إلخ..إلخ..يتم اضطهادي بقسوة بالغة..مدير الإدارة الوغد..إلخ..إلخ..اللعنة عليكم جميعا..إلخ..إلخ..ثم في النهاية: مقدمه لسيادتكم.المعذب: أ.ص.د."
تمضي أيام كهذه..وتمضي أيام كتلك..
وتمضي أيام أخرى طويلة لا أذكر منها أو عنها أي شيء..
إنه السقوط..
السقوط المهين ياصديقي..
وهو ذلك الذي تتلوه النهاية..
*-*-*
لكن العقاب هذه المرة لم يكن جزاء وخصما فحسب..
لكنه نقل مرة أخرى..
لم أعد أحسب عدد مرات نقلي منذ زمن..ربما تكون هذه الرابعة..ربما..
يبدو أن هناك نقصا ما في وحدة ما..أو أن هناك أحد من معارفه قد تطلب وجوده –مكاني- في هذه الوحدة أن أرحل عنها..
ليكن..
انا غريب عن هذه البلد..أنا أستحق ما يجري..
ربما يظن بهذا أنه يعاقبني..لكنه لا يدرك أنه يفتح لي باب الفرار..ولو إلى قاع أكثر عمقا..
كنت آمل أن أحصل على ورقة نقل التكليف قبل أن يحدث هذا..قبل الانتقال الإجباري..
قبل أن يصدر مدير الإدارة الوغد أمرا إداريا –لزيادة التنكيل وجعلي عبرة وعظة- بمنعي من التوقيع في الدفتر حتى أنفذ أمر النقل..
يطلقون على هذا "إخلاء إداري"..هذا فقط ليكن في علمك حين تضعه في سيرتك الذاتية..
يا للسخرية..
ستضمن تلك السيرة/الملحمة الذاتية أساطير يشيب لهولها الولدان يا صديقي..
*-*-*
تبا لكم..
تبا لكم جميعا..
يبعثون لي على مقر سكني بإخطار بالفصل من وظيفتي لتغيبي المستمر عن العمل بدون إذن..
وكأنها نسخة من مسرحية..ننذرك بالفصل لتغيبك عن العمل بدون إذن..وأين هو الغياب..إذا لم يكن هناك عمل أصلا..؟!
كنت في تلك الأيام السعيدة..
الانفصال عن الفتاة التي أحببتها وأحبتني..(هل كان يخيل إلينا ذلك..؟)
وصل الخطاب..واستلمته أختي أو والدتي..ليصبح حديث الساعة..
وأصبح أنا العاطل الفاشل الذي ذهب مستقبله في طريق مظلم وبلا رجعة..
ربما كانوا -حينئذ- على حق..
لكني ارغب في النوم أكثر..
وأهرب يا صديقي لكوابيس أقل ألما..
*-*-*
قررت أن أنهي الأمر، حين أيقنت في النهاية أنني لا أكيد سوى نفسي..
حين ترتب على الأمر خصم كامل مستحقاتي للشهر الفائت..وربما لهذا الشهر أيضا..
اليوم..اليوم فقط..مددت يدي وأنا أسقط..لأتمسك بما ينقذني..
أحاول استعادة توازني بعد التوقف المريع المفاجيء..أفكر مليا في حالي..
سأهادنهم..
سأهادنهم قليلا حتى أنفذ من تحت أصابعهم الغليظة..
سأهادنهم حتى أحصل على تلك الورقة القذرة بنقلي من تلك الإدارة الملعونة..
سأهادنهم حى يرأف الله بحالي..ويمن علي هؤلاء الملاعين الكسالى في الوزارة المصونة بتسليمي الورقة إياها..
أصبحت زوجة تنتظر قرار خلعها في محكمة الأسرة من زوجها الذي لا تطيقه..
هذا انا الآن يا صديقي..
*-*-*
ربما هو حظي السيء..
الذي يجعلني أعود لهؤلاء لأنهي إجراءات رحيلي مجددا..
في يوم عاصف مترب كهذا اليوم..
يحمل كل المرض والضيق بين ثناياه..ويتناسب الآن مع مزاجي الشخصي تماما..
أنهي أوراقي في سرعة..أكاد لا أنظر لهم..ويكادون ألا يفعلون..
أود التخلص منهم بأسرع وقت ممكن..ويودون ذلك بأسرع مني..
لا كلمات وداع من اي نوع..ولا حتى أي مجاملة..
أقول لنفسي في لحظة ضعف عابرة: ربما أحملهم همومي..ربما أظلمهم بتعبيراتي تلك..
لكن لا حيلة لي..
هم كلهم شيء واحد..البشر والمكان والبلدة بأكملها..خليط واحد يخلق كائنا قذرا تفوح منه رائحة العفونة..
أقول للنفسي ساخرا: ربما أنا لا أظلمهم بعد كل شيء..
*-*-*
أنهي كل شيء..
أعود لألقي السلام على زميلي الطبيب الباقي هنا..
أجلس معه قليلا..ثم أنهض..
احمل حقيبتي وأمضي غير آسف على أي شيء..
سوى عمر طويل يضيع بلا أي مقابل..
في حياة بائسة..
ومن خلفي تثور زوابع ترابية..تصنعها دوامات هوائية..
لتخلف غبارا لزجا على كل شيء..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8