مشتول السوق..وحدة المنير..31

مشتول السوق..
وحدة المنير..
15 – 7 – 2009  -  4:00 عصرا..
وصلت أخيرا..
لو لم تكن قد لاحظت الساعة..فيجب أن تعود لتقرأها من جديد..
الساعة الرابعة عصرا..بتوقيت مشتول السوق..وعلى المقيمين خارجها مراعاة فروق التوقيت بينها وبين العالم المتحضر..
وكأنما انتقلت إلى الجحيم..
أو ماهو أسوأ..
*-*-*
كان من المفترض أن أكون هنا منذ الصباح الباكر..
لدي تحقيق ما..يجب أن أذهب للإدارة -حيث الشؤون القانونية- لأسويه..
كنت في تلك الأيام لازلت أحتفظ ببراءتي..واحترامي لكلمات مثل الإدارة..الشؤون القانونية..الجزاءات..
لكن ذلك لم يمنعني أن أتصرف بما يحلو لي..عالما أن الأمور ستمضي في النهاية للاشيء كالعادة..
خط السير ليومي كان يبدأ –المفترض- بذهابي للإدارة..
طلب مأمورية من مديرة الوحدة للذهاب إلى حيث يحققون معي في جريمتي الشنعاء التي لا أذكرها..
غالبا هي تتعلق بتغيبي المباشر عن النوباتجيات في الإدارة..أو النوباتجيات في الوحدة..او النوباتجيات في أي مكان آخر لا أدريه..
كنت أدرك النظام جيدا..كنت أفهمه..وكنت أتلاعب معه كما يتلاعب بي..
لكنني كنت لا أزلت أحترمه..أو أهابه ربما..
بالإضافة للإحباط القاتل الذي كنت أحيا فيه..
فكان لدي بالإضافة لكل هذا قدرا كبيرا من اللامبالاة.."الاستبياع" لو شئت الدقة..
لم أذهب للإدارة..
ولم أهب للوحدة أساسا..
قلت لنفسي ليفعلوا مايحلو لهم..
ساخرا قلت: "هيسخطوك ياقرد.."
*-*-*
كنت نائما بعمق..
من المرات القليلة التي أنام فيها بهذا العمق في مثل هذه الأوقات..
السبب..هذا التحقيق الأخرق..
بعثت رسالة لمديرة الوحدة بأن تسجل لي خط سير بذهابي للإدارة..
ثم قررت استكمال نومي الممتع..
لاشيء سيحدث..
لن ينفجر بركان أسفل مكتب الكشف..لن تنفتح مقابر البلدة..لن تنهار المنظومة الشمسية..
لاشيء..
سيظل كل شيء يمضي كما هو..
تحقيق..خط سير..استئذان..
براءات اختراع لنظام بيروقراطي لعين..وقانون عمل فاشل يعود لعهد الاشتراكية وماقبلها..
 "لم أكن ساعتها أقر بعداء كبير لتيار اليسار..وكنت أراه شيئا لطيفا خارجا عن المألوف..بعيدا عن غباء الحزب الوطني..وتزمت الاخوان.."
لابأس..كلها علامات أصلا على انعدام الضمير حين تستخدم بهذه الصورة..
لابأس مرة أخرى..
هم من صنعوا بنا هذا منذ البداية..
النفي الغير مبرر لقدرات شبابية مذهلة..وقادرة على صنع معجزات لو وضعت في إطارها الطبيعي..
حماس متوقد يطفؤونه هم برغبة سادية..وبغباء مطبق..وبجهل لافائدة في تنويره..
يتفنون بإضاعة أعمار كاملة لبؤساء ضاع من عمرهم مايكفي..
بؤساء قضوا زهرة حياتهم في امتحانات تتلوها امتحانات تتلوها امتحانات..
ثم خرجوا ليقتلوهم في سنة الامتياز..
وليتركوا ليتعفنوا في مجاهل التكليف في قرى بدائية..
كل هذا العفن يختفي تحت اسم: خدمة المناطق المحرومة..
ولأنني بطبعي شخص يتعلم سريعا..فقد استوعبت الدرس..
وجودي –هناك أو هنا أو في أي مكان آخر- مثل عدمه..
هي حقيقة بائسة تتأكد لك -مرة أخرى- الآن..
أدركتها سابقا وأنت طالب في معظم سنوات دراستك..كنت عبئا..حملا زائدا..يجب أن تتخلص منه الكلية..مثل أكياس القمامة السوداء التي كانت تتكوم في الساحة..
وأدركتها مؤخرا في نهاية سنة الامتياز حين كنت لاشيء..مجرد كتلة بيضاء ثقيلة متحركة..وضررها أكبر من نفعها..
وأدركتها هنا..في هذه البلدة الحقيرة..في هذه الشقة العفنة..
وأنت تُستنزف من سنين عمرك الأكثر روعة..
وأنت تقترب من نهاية الخمس سنين الأولى في العشرينيات..
وأنت تعلم جيدا أن مايمضي من هذه السنين الذهبية لايعود..
تركوك هنا..قالوا من أجل الوطن..ولأجل غير مسمى..
تركوك هنا..تقضي عقوبة قاسية..لأجل ذنب لم تفعله..
أو ربما الأمر كعادة الحكومة..
احترازا لذنب قد تفعله..
*-*-*
انعدام الضمير ياصديقي..
أنت بدأت تتقن قواعد اللعبة..

وبدأت الانحدار سريعا..
هنيئا لك..
هنيئا لك..

تعليقات

  1. لا لا لا ... انت عالى قوى المرة دى ... روعة ... هذا لاينفى روعة كتاباتك السابقة لكن المرة دى فى حاجة لمست أعماقى :) :) p:

    ردحذف
  2. :)
    نعدكم بالمزيد من الروعة..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8