مشتول السوق..وحدة المنير..29

مشتول السوق..
وحدة المنير..
1 – 7  - 2009  -  12:00 ظهرا..

تفتيش مفاجيء من الوزارة..!!
يعلمني زميلي بالوحدة بقدوم لجنة تفتيش من الوزارة على الوحدة..في الطريق إلينا الآن..

وتفتيش مفاجيء بمعنى تفتيش مفاجيء حقا..
لم يبلغني أحد بقدوم هؤلاء..لم يطلب أحد مني التواجد مبكرا..أو وضع المناظر المعتادة..
أو ربما قاموا بعمل اللازم..ولم يهتموا أصلا بوجودي..
لكن أصلا ماهو اللازم..إذا كان كل شيء على حاله..؟!

أنا مع زميلي المماثل لي في السن والخبرة المنعدمة..الطبيبة زميلتنا مديرة الوحدة في دورة تدريبية..

لاعلم لي بما أفعله..أو المفروض أن أفعله..

أقف معه نتبادل النظرات الحائرة المرتبكة..

لا نعرف أي شيء..عن أي شيء..!!

*-*-*
لا أعرف لم سيأتون أصلا..
وما هي أهمية وحدة حقيرة كهذه في وجهة نظرهم..
لا بأس..

لنحدد أولوياتنا..

الترحيب بالقادمين يجب أن يكون على أكمل وجه..
يجب أن نطلق لخيالنا العنان..

لابد أن نتفق مع أقرب ملهى ليلي ليبعث إلينا براقصتين..لا..ثلاث راقصات..
راقصتين تليق بلجنة من المديرية..أما هذه فلجنة من الوزارة..من "مصر"..!!

ثلاث راقصات..ينبغي أن تكون اثنتين منهما بدينتين بما يتفق مع ذوق السادة الموظفين الكبار..
ماذا أيضا..
المشروبات..لابد أن نتفق مع محل للمشروبات الروحية على توريد أربع زجاجات شمبانيا..ممكن بعض الفودكا أيضا..
وممكن أن نجلب واحدة أخرى ونلفها على سبيل الهدية..
هناك دي جي في البلدة..ربما يكون دون المستوى..لكنه سيفي بالواجب..

المسليات..بعض المكسرات من محل كبير..وبعض أكياس الشيبسي..
ممكن أن نأتي ببعض الحشيش..وبعض تلك الأقراص البيضاء/الحمراء/الزرقاء التي يتناولونها في الافلام..
الاتفاق مع كهربائي لتعليق بعض الكشافات المثيرة..
ودهان الحائط لإزالة آثار عدوان الأطفال وافرازات أمهاتهم..
والسباك..يجب أن نأتي بسباك..وتغيير بلاط الأرضيات بسيراميك أو بورسلين..
اقتراحات أخرى أرجوك..
سجادة حمراء..؟ فرقة أوركسترا القاهرة..؟ نفرش الأرض رملا..؟ تعليق الأعلام الخضراء ذات النجوم الثلاثية..؟
بعض الممثلين الكومبارس الذين يقرون بأن كل شيء على مايرام..وبصحتهم الـ "المائة في المائة"..؟
هل هذا كل شيء..؟
نعم..لكن الحقيقة أن هذه أضغاث أحلام..
الوقت لن يسمح بأي من هذا..
الراقصات تحديدا لن يكون بإمكاننا جلبهم هنا وإلا انقلبت علينا البلدة..دعك من الزاوية الصغيرة أسفل العمارة..

الحشيش قد نستعيض عنه ببعض نبات البانجو..غالبا سيكون مزروعا في شرفة الوحدة الحكومية  أسفلنا..

المسكرات ممكن أن نتصرف فيها أيضا..ممكن أن أبعث بكاتب الوحدة ليحضر لنا بعض السبرتو الأحمر..وربما أيضا زجاجات الـ "ستيلا"..
ممكن أن نتصرف في شكل الممرضات ببعض الصعوبة..لا..لا يوجد موارد لعمليات تجميل..ممكن فقط أن يغسلن وجوههن..ويخفين أطفالهن في أي مكان..للأسف..لن ينطبق لك على البروزات التي يمتلكنها في أجسادهن..لاحل لها..سنتركها وأمرنا إلى الله..

مرة أخرى قد أضعت وقتا ثمينا..
إنهم على مشارف البلدة..

قررت أخيرا أننا لن نضع سجادة حمراء..ولن نعلق أية أعلام..ولن نفرش الأرض رملا..ولن نجلب بعض أهل البلدة ليقوموا بتمثيل دور الأشخاص الذين يحصلون على خدمة صحية ممتازة..

لن أرتدي البالطو الأبيض حتى..
سياتون وسيدركون حقيقة كل شيء..حقيقة تلك الحظيرة التي نعيش فيها..
سيراجعون الدفاتر جميعها..وسيسألون الناس الساخطين..وسيرون العلاجات  البائسة التي نملكها..ونكتبها..ونصرفها..ويتناولها البهائم الذين لايجدون ملجئا آخر غيرنا..
والحمام المتهالك..
سأجعلهم يضعون وجوههم في التواليت ذاته..

لعلهم يدركون الحقيقة..
*-*-*

انتهى التفتيش..مثلما بدأ..
عشر دقائق..
بعض أسئلة عن الحال والصحة وأخبار البلد..ثم لاشيء..
بعض التعليقات عن نظافة المكان..و"غبار العنكبوت على السقف.."

سقف..؟! أي سقف أصلا..الذي أبحث فيه عن غبار العنكبوت..؟!

للأسف..لم تسنح الفرصة لكي أجعلهم يرون سقف التواليت من داخله..

لأنهم كانوا على موعد تفتيش آخر في وحدة أخرى..

*-*-*

علمت فيما بعد أنهم أشادوا بالوحدة..وبالعمل فيها..فيما عدا "بعض الغبار على السقف.."

لكن كل شيء آخر سليم..

الأدوية..الدفاتر..المرضى..المرض ذاته..جهاز التعقيم..حبوب منع الحمل..الواقيات الذكرية..النظافة العامة..التجهيزات..الموظفين..الأطباء..التمريض..كاتب الوحدة..غرف الكشف..سرير الكشف..مكتب الكشف..الكشف ذاته..

الترمومتر المكسور في مكانه..دولاب الطواريء الفارغ تقريبا في مكانه..الخيط الغليظ..والإبر المعقوفة الضخمة في مكانها على الرف المترب..لوح الزجاج المكسور في النافذة في مكانه..الملفات المكومة خلف باب الشرفة في مكانها..القذارة المنتشرة في كل مكان..في مكانها لم تبارحه..

كل شيء في مكانه..
كل شيء يسير على مايرام..

حتى الطبيب المجنون كان يبدو عليه التعقل حين سألته المفتشة عن سنة تخرجه من الكلية..

ولم يفعل شيئا حين علقت على "بعض الغبار في السقف.."

*-*-*

لم يخبرني أحد أنني في مسلسل كبير مستمر بحلقات السمجة..

اكتشفت ذلك بنفسي..

منذ أن دخلت الكلية وأنا أمثل..لكنني لم أنتبه لأدائي إلا في الآونة الأخيرة..

نمثل أننا نعمل بتفان وإخلاص..نمارس واجبنا بكل اجتهاد وضمير ممكن..نؤدي وظائفنا بكل الحب..

ويمثلون هم بإشرافهم وتقويمهم وتفتيشهم..بكل تقدير..!!

المشكلة فقط أنني ممثل فاشل..
لا أستطيع حفظ الدور المنوط بي القيام به جيدا..

*-*-*

وأنا الذي كنت أفكر في جلب راقصات..

ياللغباء..!!

هناك مايكفي هنا بالفعل ياصديقي..