مشتول السوق..وحدة المنير..30

مشتول السوق..

وحدة المنير..

5 – 7 – 2009  -  11:30 صباحا..

اجتماع في الإدارة مع السيد الرئيس..

ذهبت بديلا عن زميلتي مديرة الوحدة..

ممثلا لعموم العاملين في الوحدة الصحية العظيمة التي أمارس فيها حياتي في الآونة الأخيرة..

لابأس..
الوصف نفسه يليق بموكب ضخم..يذهب في طريق يحفه المستقبلون على الجانبين..يرمون بالورود والأحلام الكبيرة للأبطال العظام..الذين يحملون آمالهم..ويلوحون بالأعلام الخضراء ذات النجوم الثلاثية..
اللافتات تنتشر في كل مكان..للترحيب بالسيد ممثل الوحدة الصحية..
المدفعية على باب الإدارة تطلق تسعة عشر طلقة للتحية..

المفترض أنها واحد وعشرين طلقة..لكن للأسف نفذ مخزون الطلقات..ولم تصرف الطلبية الجديدة بعد..

أستقبل بوفد رسمي..
ولجنة شكلت خصيصا لهذه المناسبة..
من الغفير المسؤول عن التأمين..والموظف الذي يشير لي بلامبالاة لغرفة مدير الإدارة الضيقة التي نتكوم فيها كيفما اتفق لحين حضوره وجلوسه على المكتب الضخم..
انتهت مراسم الاستقبال..وبدأت مراسم الحضور..
أنظر لصورة السيد الرئيس في الخلفية..
وأبتسم..
*-*-*

الاجتماع كان أساسا لبحث سبل مواجهة "الجائحة"..

هناك شخص سخيف..أراد أن يصنع تاريخا عظيما له..
فقام بترجمة كلمة “OUTBREAK”  إلى هذه الكلمة التي توحي بالخطورة والرهبة..
انا شخصيا شعرت بقشعريرة تجتاح عمودي الفقري..
أنا أواجه الـ "جائحة"..
لو كنت أواجه أمنا الغولة..أو الشيطان ذاته..لما شعرت بهذه الأهمية البالغة..

اللعنة..!!
هناك محاولة ما لتضخيم الأمر وتصويره على غير صورته الواقعية..
الصورة البائسة لطبيب أرياف..وممرضة بدينة..ورائدة ريفية "لا أدري ماهي ولا دورها أساسا"..وكاتب صحة ضخم الجثة..يقوم بخصم خمسة جنيهات من مرتبك شهريا علشان "الحلاوة"..
ومنظر الوحدة الصحية نفسه في تلك الشقة المزرية..لاتوحي بهذا التضخيم اطلاقا..!!
حين تحدث مدير الغرفة الوقائة وهو طبيب برتبة موظف..ذلك الشخص القصير صاحب الشارب المضحك..عن "الجائحة"..وطلب تقريرا مفصلا من الوحدات لتقديمها لمنظمة الصحة العالمية..
كدت أصرخ في وجهه: اخرس يافاسق..!!
أي زندقة تلك..؟!

أي تجديف..؟!

منظمة الصحة العالمية..!! هيا حصلت..!!

ماذا أقول أنا لمنظمة الصحة العالمية..؟!

أنا طبيب أرياف في وحدة صحية لاتزال تستخدم إبر الجراحة التي تقوم بتلقيمها الخيط الغليظ كما لو أنك بصدد صنع ثنية في بنطلونك الجينز..؟!

اللعنة..
اللعنة عليكم جميعا..
انا لو قدر لي أن أبعث شيئا لمنظمة الصحة العالمية..

فلن تكون إلا خطاب انتحاري هنا..
*-*-*

واستمرار لذات السياسة..

بعض الكلمات..بعض المشكلات المزمنة..بعض الأزمات..بعض الشكاوى..بعض التلميحات العابرة..بعض الهبل..

ذات الأشخاص..ذات التعليمات التي لن ينفذها أحد أصلا..ذات الكلمات السخيفة التي يرددونها بلا كلل أو ملل..

ذات التهديدات الغبية الخرقاء التي تليق بصف مشاغبين في حضانة..

أخطأت بحضوري..أدرك ذلك..

وها انذا أعاقب على خطأي ذاك بلا رحمة..

يوما ما..سأبعث لأحاسب..
حين أسال عن أخطائي..
ساقول أنني قبلت بحضوري هنا..فقط لأهرب من حضوري في الوحدة..

هنا لاعمل..وهناك لاعمل..
فقررت أن أعاقب نفسي بنفسي..أحضر هنا..وأتلقى عقابي كاملا..

عسى الله أن يرحمني يوم ما..

حين أعود للوحدة..سيكون كل شيء هاديء..وستكون الطفلة نالت رضعتها..ونامت في هدوء بجوار أمها..

وسأكون أنا في مزاج هاديء يسمح لي بالكتابة عن كل شيء..

*-*-*

يوما ما سأقول لصغيري -الذي لن يأتي غالبا- في فخر..

والدك شارك في مواجهة "الجائحة"..التي كانت ستقضي على مصر..!!

والدك بطل ياصغيري..!!
سيهز الفتى رأسه في نفاذ صبر..
ويناولني دواء خرف الشيخوخة..

لأنام أنا الآخر في هدوء..