مشتول السوق..وحدةالصحافة..5

مشتول السوق..
وحدة الصحافة..
في يوم ما..
أداعب بيدي المقلمة الصغيرة التي تحمل شعار وزارة الصحة..
واسم الحملة العظيمة التي أمارس فيها مهامي وسلطاتي كاملة..
"الحملة القومية للتطعيم ضد مرض الحصبة"
أفكر ساخر في أول لحظة استلامي لهذه المقلمة..الفزع المضني الذي ارتسم على وجهي حين تلقيتها كما يتلقى كيسا ملفوفا بالمخدرات..
أرمق من حولي وهم يتسلمون نصيبهم..
الممرضات..تتسلمن أكواما من صناديق ورقية مفتحة..يقمن بتطبيقها..لتشكيل صناديق مكافحة العدوى..وذلك للاحتفاظ ببواقي المحقن وغطيانها..
الأصل في الموضوع أن يأخذ الطفل التطعيم..ثم ترمى المحاقن –بدون تغطيتها- في الفتحة العليا للكرتونة..ويتم تسليمها بعد ذلك للمراقب الصحي الذي يكون مسؤولا عن اعدامها بطرق صحية سليمة بمعرفة الإدارة..
يتسلمن أكواما من الصناديق الورقية الجاهزة..ويسلمهن المراقب الصحي التطعيمات في مبردات صغيرة..للاحتفاظ بالطعوم ووقاية من حرارة الشمس..
كنا في بدايات الخريف..الجو يبدو لطيفا..
لذلكلم أبتلع فكرة المقلمة التي بيدي هذه..
أفتحها..أعد مابها..
محقنين فارغين..
ووثلاثة أمبولات..أدرينالين..كورتيزون..وكلورفينيرامين ماليت..
أعرف أن هذه الأمبولات يجب اعطاؤها للضرورة..في حالة توقف عضلة القلب مثلا..أو الصدمة العامة الناتجة من أثر الحساسية ضد الطعم..
أعرف ذلك..لكن ما آثار رعبي هو عدم معرفة "كيفية" هذا الاعطاء..
نتاج الجهل الناتج عن عدم ربط المعلومات الطبية التي نزردها لنخرجها في امتحانات آخر العام..بالحياة العملية..
مثلا..أجهل الجرعة..ربما لأني نسيتها..أو لم تكن معلومة تستحق الذكر في الامتحانات..أجهل كيفية المفاضلة بين مكان الاعطاء..أجهل وقتها..أجهل اجراءات مراقبة الطفل ومتابعته..علامات التجسن..هل هي الضغط فقط..وكيف أتمكن من قياس الضغط بلا جهاز أصلا..ثم متى يجب أن أقوم بتحويله لأقرب مستشفى..أم يجب أن أستدعس الاسعاف..إلخ..
المفارقة أنني قضيت شهرين كاملين في قسم التخدير..وشهر آخر في الطواريء..ولم أتعلم مايماثل هذا الموقف..
أتصل بزميلتي الأكبر مني سنا..في وحدتي القديمة..
أسألها المعونة..
تخبرني –بعد أن أدركت فزعي- بما يجب أن أفعله في حال الطواريء..والجرعة اللازمة..
لكن ماذا لو لم تكن موجودة..؟
ماذا لو لم أكن أنا موجود أصلا مع الحملة..؟
ماذا يحدث لو قدر الله وتعرض طفل ما لشيء مثل هذا في حملة أخرى لايوجد بها طبيب..؟
الإجابة: ستر الله..
نحن نتحرك بستر من الله ورحمته..
لأن رحمة الله عز وجل تشمل حتى البهائم..
*-*-*

أراقب المقلمة في يدي..
وسؤال يؤرقني..
هل سيأخذونها مني في ما بعد انتهاء الحملة..
أم سأحتفظ بها كتذكار لهذه الأيام السوداء..؟
سنعلم ياصديقي..
سنعلم كل شيء في حينه..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8