مشتول السوق..وحدة المنير..22

مشتول السوق..
الإدارة الصحية..
30 – 5 – 2009  7:15 مساء..
النوبتجية الثالثة..أو الرابعة -أو الخامسة والخمسون ربما- لي هنا..
أريد أن أذكرك مرة أخرى ياصيقي العزيز بأننا هنا للمساهمة في الواجب القومي الذي نتحمله باعتبار أننا مواطنون أحرار بهذا البلد..
طوال مدة قيادتي على الطريق الطويل..وملامح السؤال تتشكل في عقلي..
ماذا يحدث هنا بالظبط..؟!
أي عبث هذا..؟!        
هناك تلكما الفكرتان اللتان تضاد بعضهما بداخل عقلي بقوة..
الأولى هي مسؤولياتي..أن أقوم بهذا كجزء من العقد المبرم بيني وبين الحكومة..التي تمثل الدولة..
والثانية..هي اللاجدوى..!!
الأولى..هي المفترض..والواجب..
والثانية..الواقع المرير..الحقيقة المجردة الخالية من أي تنميق..
المفترض أن أكون هنا لألعب دورا حيويا في مواجهة وباء قادر على إبادة الملايين..
دعك من دعوتي السابقة -لا أدري لم لم يتقبلها الله مني حينئذ- بأن يفنى كل هؤلاء جميعا..
لكن هذا عملي للأسف..ولو كنت أكرهه..
ثم يكون هذا الأمر على هذا النحو..
أتذكر ساخرا قصة قديمة عن مجموعة مراهقين أخذوا ليتم تجنيدهم في أواخر الحرب العالمية الثانية..وليتركوا على الحدود..لتكون مهمتهم الأساسية صد هجوم الجيش الأحمر..!!
او ربما هي مأساة تذكرك بمآساة هؤلاء البؤساء الذين صدر إليهم قرار الانسحاب القاتل عند بدء حرب يونية في سيناء..
نعم..
هذه هي الحقيقة مرة اخرى..
لاتدريب..لا خطة من أي نوع..لاقرارات قوية..لامكان آدمي للمبيت..لادورات مياه تليق بانسان فضلا عن كوني طبيب..لاطعام أو شراب..لاطرق علمية حديثة..
لاشيء من اي نوع..
مجرد أوامر من السادة..بأن تقضي وقتك كله هناك..مايقارب الثمانية عشرة ساعة..في مكان أشبه بالخرابات..
ثم تعود لممارسة عملك صباحا..
كل ذلك من المفترض أن تفعله بابتسامة مشرقة أبدية..
وبدون أي مقابل إضافي إلا تلكم الملاليم التي تتحصل عليها بشق النفس..
لا تفتح فمك..
مسؤوليتك تجاه الوطن..فوق كل شيء..
حتى ولو كانت لاشيء..
مجرد أوراق تملأ بمعرفة السادة..لترفع لفوقهم..للسادة الآخرين..
ولانك في قاعدة الهرم..فستنسحق مثل الآلاف غيرك..
في جميع أرجاء الوطن العظيم..
*-*-*
حين تتحدث بعصبية بعض الشيء..يبدأ الحديث بأسف..وشفاه ممطوطة..
هذه هي الامكانيات المتاحة للأسف..
و"الشاطرة تغزل برجل حمار"..
ولايوجد من هو في مثل شطارتكم..
أنتم لازلتم في ريعان شبابكم..
الا تتحملون قليلا..؟!
*-*-*
لايوجد حلات اشتباه لانفلونزا الخنازير في محيط عمل الإدارة.."
نبعث برسالة تليفونية عبر أسلاك تمتد حتى مديرية الصحة..
بأن كل شيء هاديء على الجبهة..
*-*-*
كل شيء مستقر..
إلا طبيب واحد..يشعر بالعبث..وأنه من المفترض أن لايشارك في هذا العبث..
يشعر ببعض التحرر..من ربقة الاستعباد..
مجنون..؟!
ربما..
ربما هو أخطر من ذلك..
ربما يكون ثائرا..أو صاحب رأي..
ربما يتسبب في مشاكل جسيمة..
يجب أن نتداركها فورا..
*-*-*
وحين وصلت أخيرا..حين وصلت بعد كل هذا الطريق الموحش..
أدرك أنني وصلت لطريق مغلق..
الظلام والصمت يخيمان على المكان..
الباب مغلق..الأنوار مطفأة..
لا أحد هناك..
لا أحد..كل شيء هاديء على الجبهة..
كل شيء مستقر..
إلا طبيب واحد..لم يعد يشعر بشيء إلا العبث..
أحمق..؟!
ربما..
ربما هو أغبى من هذا..ربما هو أكثر سذاجة من أن يدرك ان كل الأمور ستسير على هذا النحو..
ربما هو أكثر سخافة من أن يدرك الحقيقة..
وحتى الآن لايصدق..
وحتى الآن الرجل على الجانب الآخر من الهاتف..الرجل رئيس وحدة الوبائيات والرصد..المفترض أن يكون مسؤولا عنه..
لا يصدق هو الاخر..
سيبعث بواحد ما ليفتح الباب..
ربما قالها له لمجرد أن يتخلص منه..
ولمجرد أن يعود لعمله في يوم إجازة..
أفسدها عليه طبيب شاب متحمس..
يملك الكثير من الحماقة..
*-*-*

في الظلام..أمام الإدارة..
اقف وحيد..وأوقن أن هذا في منتهى العبث..
الآن..اقرر أن ذلك العبث لن يستمر أكثر من هذا..
لن أشارك في مهزلة مسرحية كذه بعد الآن..
مهما كان الثمن..

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8