مشتول السوق..وحدة المنير..19

مشتول السوق..
وحدة المنير..
20 – 5 – 2009  -  1:30 ظهرا..
موعد النوبتجية..
لا أعرف كيف ظللت مستيقظا كل هذه المدة..
بمعجزة ما..مضت الساعات الثقيلة..وانتهى الجزء الأول من مسلسل التعذيب..
ليبدأ الجزء الثاني..
*-*-*     
خبر سعيد..استلمت راتبي اليوم..
أو هم من وصفوا الملغ الذي تلقيته بأنه راتبي..
اربعمائة واثنين وأربعين جنيها فقط لاغير..
منقوصا منها خمسة جنيهات اقتطعها لنفسه السيد كاتب الوحدة..
لا بأس ياصديقي..
أربعمائة واثنين وأربعين جنيها كافية مقابل لاشيء..
ليبدأ عصر من عصور الرخاء..
*-*-*
أحاول النوم على سرير الكشف بمرتبته السوداء..وحديده الصديء..والملاءة التي تلوثت بكل الافرازات..والتي أزحتها جانبا..ووضعت حقيبتي اسفل رأسي..على سبيل الوسادة..
صوت الصرير المزعج..ثم..
ياللهول..!!
مما صنعت هذه الحشية..؟!
كأنما قدت من حجر..!!
يبدو ياصديقي أن مورد هذه المراتب هو ذاته متعهد الإدارة..
لكن..لا يوجد حل آخر..
كرسي المكتب الخشبي..وحشية السرير القاسية..
والأرض..
لا حل آخر..
عيني تنغلقان ذاتيا الآن..
*-*-*
قمت مفزوعا إثر طرقات على الباب..
أحاول لملمة نفسي سريعا..وتسوية ملابسي -كأنما ظبطت بين يدي امرأة ما- كأي طبيب يحترم ذاته..
ثم أدخلت الممرضة الكشف الجديد..
ألمح في البداية فتاة..ثم طفلة صغيرة..
أجلس على المكتب..وأطلب منهما الجلوس..
تجلس الفتاة التي لم تتجاوز الخمسة عشر..وتقف الطفلة..
أحاول فهم الموضوع..
بكلمات مقتضبة..يصل إلي الأمر رويدا..
لا ياصديقي..ليس الأمر كابوسا..أنت تستمع في الحياة الواقعية لواقع أشد بؤسا..
هناك شيئا ما..يتعلق بالطفلة التي خضعت لعملية ختان..في عيادة طبيبة -أو قالت هي ذلك في محاولة للتجمل- وهناك مشكلة ما..
للحظة..ظللت مشدوها بالكلمات المرتبكة الخافتة..
يتعاملون معي هنا ليس كطبيب..بل بشخص وجد خطأ في المكان..ولم يستطيعوا الافلات منه..
هي جريمة بشعة ياصاحبي..
لا يوجد أحد لديه الحق في إزالة جزء من جسم انسان..خلقه الله كاملا..وفي أفضل تقويم..رجلا كان أو امرأة..إلا أن يكون طبيبا.وبدوافع طبية..
لا شيء آخر..
هناك تلك الطبيبة التي تقول أنها من صنعت ذلك..لكني أدرك جيدا أن السبب لم يكن أبدا لدفع طبي..ولن يكون..
أشعر بالاشمئزاز..
أشعر بشفقة عارمة على الطفلة الصغيرة التي تنظر إلي في ترقب..وفزع مكتوم ربما..
إذ ربما أكون جلادا آخر..سيكرر ذات التجربة..أو سيعيد إليها الذكرى على الأقل..
لا اعلم ماذا أفعل..
أريد الخروج من هنا..
لا اريد ان أتحمل إثما أنا الاخر..
لم أقترب منها ياصديقي..لم أهديء من روعها..لم أقم بالكشف عليها..لم أعالجها..لم أبك بجوارها..
فقط..في كلمات مقتضبة أنا الآخر..أشرت عليها أن أمرا كهذا يجب أن تذهب به لطبيب متخصص بأمراض النساء والتوليد..
المفارقة أنها مازالت طفلة..
ولكنها دفعت دفعا لجريمة لم ترتكبها..إلى أن تدخل تصنيفا آخر يغاير حقيقتها..
طفلة..ستذهب لطبيب نساء وتوليد..
لعله يستطيع أن يقدم لها المساعدة التي لم أستطع..
بدون كلمة أخرى..غادرت الفتاة والطفلة..
وظللت على المكتب صامتا أنظر في الفراغ..
..........
لم يعد هناك أي أثر للنوم في عيني..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8