مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة..2
مستشفى
العباسية..
وحدة السيدات المطورة..
السبت 3 يوليو 2010 - 12:00 ظهرا..
وحدة السيدات المطورة..
السبت 3 يوليو 2010 - 12:00 ظهرا..
بعد السلام
والتحيات والتعرفات الأولى..
تخبرني مديرة الوحدة أني سأكون في قسم 30 جديد..
لنذهب يا صديقي ونرى ما يمكن فعله هناك..
*-*-*
تخبرني مديرة الوحدة أني سأكون في قسم 30 جديد..
لنذهب يا صديقي ونرى ما يمكن فعله هناك..
*-*-*
قسم قديم..بوابة
حديدية سوداء..مغلقة بقفل من الخارج..
قسم من تلك الأقسام من التي يرتفع سقفها لخمسة أمتار ارتفاعا..والسقف مغطى بألواح خشبية بلون بني فاتح..معلق به مراوح متعددة..وعلب لمبات مربعة الشكل..شبابيك القسم عليها قضبان حديدة..
السيراميك على الحوائط بلون أحمر داكن..مع لون وردي فاتح..والبلاط الذي يكسو الأرض يمتزج فيه البياض بالاصفرار بسواد بين مربعاته..
ألقي السلام..وأعرف الممرضة التي فتحت الباب بنفسي..
ترحب بي..وأدخل..تقودني لغرفة الطبيب..غرفة بجوار الباب مباشرة..
قبل أن أدخل ألقي نظرة على صالة فسيحة توجد بها عدة طاولات للطعام مخصصة للمريضات..وهناك مريضة تأكل طعامها..وبجوارها ممرضة تنهي بعض أعمال القسم..
أدخل لغرفتي..تعود الممرضة ومعها رئيسة التمريض بالقسم..: مس هيام..
ترحب بي هي الأخرى..
أنهض معها لتفقد القسم سريعا..
لم يختلف القسم عن تصوري..
صالات واسعة/ عنابر موزعة بها الأسرة..الأرض نظيفة..الأسرة مفروشة بشكل جيد..المريضات مرتديات لملابس واسعة فضفاضة مترهلة أحيانا..وغير مناسبة في أحيان أخرى..
ممرضات تساعدن بعضهن على الذهاب للحمام والاستحمام..مجهود حقيقي..
لكن..تلك الرائحة..
الرائحة العطنة..مزيج من عرق وتراب ومواد عضوية متحللة وفضلات بشرية ومياه آسنة..
رائحة أشياء قديمة وراكدة..
رائحة تنبع من مسام المريضات..وشقوق الجدران..وشروخ الأرضيات..
لا يفلح معها حمامات أو مسح أو تنظيف أو رش أي معطر..
أرمق العاملة التي تروح وتأتي..لكن تلك الرائحة لا تزول..
ستظل تلك الرائحة عالقة في ذهني..
وستظل تصاحبني طوال وجودي في المستشفى..
*-*-*
قسم من تلك الأقسام من التي يرتفع سقفها لخمسة أمتار ارتفاعا..والسقف مغطى بألواح خشبية بلون بني فاتح..معلق به مراوح متعددة..وعلب لمبات مربعة الشكل..شبابيك القسم عليها قضبان حديدة..
السيراميك على الحوائط بلون أحمر داكن..مع لون وردي فاتح..والبلاط الذي يكسو الأرض يمتزج فيه البياض بالاصفرار بسواد بين مربعاته..
ألقي السلام..وأعرف الممرضة التي فتحت الباب بنفسي..
ترحب بي..وأدخل..تقودني لغرفة الطبيب..غرفة بجوار الباب مباشرة..
قبل أن أدخل ألقي نظرة على صالة فسيحة توجد بها عدة طاولات للطعام مخصصة للمريضات..وهناك مريضة تأكل طعامها..وبجوارها ممرضة تنهي بعض أعمال القسم..
أدخل لغرفتي..تعود الممرضة ومعها رئيسة التمريض بالقسم..: مس هيام..
ترحب بي هي الأخرى..
أنهض معها لتفقد القسم سريعا..
لم يختلف القسم عن تصوري..
صالات واسعة/ عنابر موزعة بها الأسرة..الأرض نظيفة..الأسرة مفروشة بشكل جيد..المريضات مرتديات لملابس واسعة فضفاضة مترهلة أحيانا..وغير مناسبة في أحيان أخرى..
ممرضات تساعدن بعضهن على الذهاب للحمام والاستحمام..مجهود حقيقي..
لكن..تلك الرائحة..
الرائحة العطنة..مزيج من عرق وتراب ومواد عضوية متحللة وفضلات بشرية ومياه آسنة..
رائحة أشياء قديمة وراكدة..
رائحة تنبع من مسام المريضات..وشقوق الجدران..وشروخ الأرضيات..
لا يفلح معها حمامات أو مسح أو تنظيف أو رش أي معطر..
أرمق العاملة التي تروح وتأتي..لكن تلك الرائحة لا تزول..
ستظل تلك الرائحة عالقة في ذهني..
وستظل تصاحبني طوال وجودي في المستشفى..
*-*-*
تأتي رئيسة
التمريض بملفات المرضى..
أحصيها..أجدها تقارب الخمسة وأربعين..
أنا بمفردي سأشرف على متابعة هذه الحالات هنا..
أعرف أن هناك أخصائي سيقوم بالإشراف علي..لكني كما أدركت منذ الوهلة الأولى في المستشفى..لن يكون هناك تراتبية وظيفية قوية هنا..
لذلك سأكون هنا في النهاية وحدي..
لا بأس..
أتصفح بعض الملفات..أقرأ تاريخ الدخول لبعض المريضات..
بضع سنوات..
معظمهن هنا منذ سنين طويلة..
أدركت معظمهن أن العالم ينتهي عند أسوار المستشفى..بالخارج..تجاوزهن العالم ومن فيه..
كل ذكريات سابقة لهن أصبحت بدون أي فائدة تذكر الآن..
يأكلن..يشاهدن التليفيزيون في بعض الأحيان..يخرجن للحديقة المتاخمة للقسم..يشربن الشاي..يأوين للنوم..ثم يستيقظن على يوم جديد مكرر..
"سأرى فيما بعد..فيلم أمريكي.. “GROUNDHOG DAY”..ولسبب ما حدث في حياته..صار البطل يستيقظ مرارا وتكرارا على نفس اليوم..يشاهد فيه تكرارا رتيبا لا يخرج عن المألوف إلا نادرا..
يكتسب خبرات جديدة..يكتسب مهارات جديدة..لكنه حبيس للحظة متكررة مستمرة..كأنما الزمن قد غفل عنه..هاته المريضات يعشن تجربة شبيهة بهذه.."
*-*-*
أحصيها..أجدها تقارب الخمسة وأربعين..
أنا بمفردي سأشرف على متابعة هذه الحالات هنا..
أعرف أن هناك أخصائي سيقوم بالإشراف علي..لكني كما أدركت منذ الوهلة الأولى في المستشفى..لن يكون هناك تراتبية وظيفية قوية هنا..
لذلك سأكون هنا في النهاية وحدي..
لا بأس..
أتصفح بعض الملفات..أقرأ تاريخ الدخول لبعض المريضات..
بضع سنوات..
معظمهن هنا منذ سنين طويلة..
أدركت معظمهن أن العالم ينتهي عند أسوار المستشفى..بالخارج..تجاوزهن العالم ومن فيه..
كل ذكريات سابقة لهن أصبحت بدون أي فائدة تذكر الآن..
يأكلن..يشاهدن التليفيزيون في بعض الأحيان..يخرجن للحديقة المتاخمة للقسم..يشربن الشاي..يأوين للنوم..ثم يستيقظن على يوم جديد مكرر..
"سأرى فيما بعد..فيلم أمريكي.. “GROUNDHOG DAY”..ولسبب ما حدث في حياته..صار البطل يستيقظ مرارا وتكرارا على نفس اليوم..يشاهد فيه تكرارا رتيبا لا يخرج عن المألوف إلا نادرا..
يكتسب خبرات جديدة..يكتسب مهارات جديدة..لكنه حبيس للحظة متكررة مستمرة..كأنما الزمن قد غفل عنه..هاته المريضات يعشن تجربة شبيهة بهذه.."
*-*-*
أفكر في الأشخاص
المصابين بأمراض مزمنة أخرى..أو التي لا شفاء منها..
مرضى الكبد..مرضى الفشل الكلوي..مرضى السرطان..وغيرهم..
من أسعد حظا..؟
مريض يتدهور حاله يوما بعد يوم..وبعد وقت طال أم قصر سيذهب به الموت..لكنه يدرك ذلك..ويعيه تماما..
أم مريض آخر تجمد به الزمن في لحظة غريبة..لا يدرك غالبا ما يحيط به.. لا معنى لأي شيء..
يعجز عن ممارسة حياته بصورة طبيعية..حتى لو كان مدركا لماهية مرضه..
محاطا بأسوار عالية..أسوار حقيقية ومجازية..
حتى يأتيه الموت..
البؤس في المرضى الآخرين درجة واحدة غالبا..يتكاتف الفقر مع المرض لينهي حياتهم البائسة..
لكن البؤس لدى مريضاتي هؤلاء درجات متفاوتة..
لا يضاهيهن في ذلك إلى مرضى الجذام أو المرضى بذات الصدر أوالحمى..
"للمفارقة الساخرة..أنشئت المستشفيات الثلاثة بجوار بعضهن..في زمن عز فيه علاج تلك الأمراض..تتجاور العباسية النفسية..مع صدر العباسية..وحميات العباسية..لتكون شاهدات على فشلنا الذريع..والسقوط المروع لانسانيتنا.."
حياة في درجة صفر..
لا موجب..لا سالب..
*-*-*
مرضى الكبد..مرضى الفشل الكلوي..مرضى السرطان..وغيرهم..
من أسعد حظا..؟
مريض يتدهور حاله يوما بعد يوم..وبعد وقت طال أم قصر سيذهب به الموت..لكنه يدرك ذلك..ويعيه تماما..
أم مريض آخر تجمد به الزمن في لحظة غريبة..لا يدرك غالبا ما يحيط به.. لا معنى لأي شيء..
يعجز عن ممارسة حياته بصورة طبيعية..حتى لو كان مدركا لماهية مرضه..
محاطا بأسوار عالية..أسوار حقيقية ومجازية..
حتى يأتيه الموت..
البؤس في المرضى الآخرين درجة واحدة غالبا..يتكاتف الفقر مع المرض لينهي حياتهم البائسة..
لكن البؤس لدى مريضاتي هؤلاء درجات متفاوتة..
لا يضاهيهن في ذلك إلى مرضى الجذام أو المرضى بذات الصدر أوالحمى..
"للمفارقة الساخرة..أنشئت المستشفيات الثلاثة بجوار بعضهن..في زمن عز فيه علاج تلك الأمراض..تتجاور العباسية النفسية..مع صدر العباسية..وحميات العباسية..لتكون شاهدات على فشلنا الذريع..والسقوط المروع لانسانيتنا.."
حياة في درجة صفر..
لا موجب..لا سالب..
*-*-*
أقرأ الملفات..
ثم أغمض عيني..وأدعو لنفسي ولمن أحب بألا أساق يوما لهذا المصير..
ثم أغمض عيني..وأدعو لنفسي ولمن أحب بألا أساق يوما لهذا المصير..
تعليقات
إرسال تعليق