أطباء بلا حقوق..1 (ج1)



"تدوينة مجمعة -  بداية قصتي مع مجموعة أطباء بلاحقوق"


من 16 مارس وحتى 30 مارس 2010..


الزقازيق..
المنزل..
الثلاثاء 16 – 3 – 2010  -  في وقت متأخر من الليل..
"تدوينة مجمعة -  بداية قصتي مع مجموعة أطباء بلا حقوق"
بعد مغامرة فاشلة أخرى اليوم..لم أستطع اللحاق بوقفة احتجاجية للمطالبة بحقوق الأطباء..
حكيت لك سابقا كيف وصلت للمجموعة..
في البداية عرفت مجموعة تدعى شباب الأطباء..ومنها عرفت مجموعة أطباء بلا حقوق..
في الحقيقة بدأت مجموعة بلا حقوق بداية مبكرة أكثر بكثير من المجموعة الأخرى..في عام 2007-2008..
الثلاثة الكبار..د.أحمد بكر..ود.رشوان شعبان..
والسيدة العظيمة د.منى مينا..
عرفتها في سنين التكليف..وإن لم أفعل أكثر من متابعة الكلمات عبر مجموعة على الفيس بوك..
كنت بعيدا للغاية في تلك الأيام..
ولم أكن أعلم يا صديقي ما يخبئه لي القدر..
*-*-*
قلت أنها كانت مغامرة فاشلة، لأنني حاولت اللحاق بتلك الوقفة بعد انتهائي من أوراق استلام نياتي في مديرية الصحة بالشرقية..(هل كانت تلك رسالة ما..؟ أليس كذلك..؟)
انطلقت بعدها للقاهرة..على أمل اللحاق بالوقفة التي كانت مقررة على سلالم النقابة..
لكنني وصلت متأخرا كالعادة..
لم أجد أحدا..لم أجد أي أحد..فقط شخص طويل القامة يرتدي نظارة دائرية يمسك كاميرا..واستنتجت أنه صحفي..(فيما بعد سأعرف أنه موظف بلجنة العلام بالنقابة)..وأمين شرطة يتناول إفطاره بجوار السلالم العملاقة..
كنت أشعر بالسخط..لماذا يحدث هذا في كل مرة..؟
أي حظ سيء هذا..؟
*-*-*
ليلا..حين جلست على الكمبيوتر اللعين..عرفت السبب..أنهم قاموا بالدخول للنقيب..في جلسة مغلقة..
لا..لم تكن مغلقة..أنا افترضت أنها كذلك بسبب فكرة التحاشي السخيفة التي أشعر بها دوما..والتي منعتني حتى من سؤال أي أحد عن الوقفة أو أي شيء..وجعلتني أعود لمنزلي لأراقب العالم من خلف الشاشة الزرقاء الصغيرة..
لم أكن أعرف أي منهم على الإطلاق..
لم أعرف أي أحد منهم بصفة شخصية..إلا د.منى التي بدأ نجمها يسطع في تلك الأيام المجيدة التي تلت اعتصام عمال المحلة..
كان هناك د.حسام كمال..د.شيماء مسلم..د.أحمد حامد..د.هبة اسماعيل..د.شيماء مختار..د.نرمين..د.اسلام..د.مبروك..د.شريف..وغيرهم..
قلت لنفسي وسط المناقشات الدائرة أنه لابد سيكون لقاء قريبا..
ستكون "التالتة تابتة" إن شاء الله..
*-*-*

القاهرة..
نقابة الأطباء العامة "دار الحكمة"
الجمعة 26 – 3 – 2010  -  من الواحدة ظهرا وحتى السابعة مساء..
أنا وضعت لنفسي طريقا ينقسم إلى ثلاث مسارات في حياتي..
الطريق الأول..وهو الطب..وقد اخترت الطب النفسي كتخصص..واخترت المكان الذي سأكمل فيه بقية حياتي طبيبا..العباسية..لأنهيها بما أتصور أن أكون وتكون المستشفى عليه..
الطريق الثاني وهو طريق الأدب..وأنا أعتقد أنني أمتلك موهبة أدبية ما..تنمو ببطء..وتتطور بالتدريج..بدأتها بخواطر من تلك التي يطلق عليها د.أحمد خالد توفيق: "نحن نواقيس تدق في عالم النسيان"..لقد كتبت شيئا كهذا بالفعل..ثم تطورت إلى كتابة بعض القصص القصيرة..وبعض المقالات الساخرة..
وإعتقادي أنني ربما أكمل فيه أصل لنهايته..وأنشيء حلمي الأكبر..المكتبة.."مكتبة الندى"..لتكون نواة المؤسسة الثقافية الكبرى "أمد"..
ثم الطريق الثالث..السياسة..
في تلك الأيام كان الحراك السياسي على أشده..
احتجاجات غير عادية..وجرأة خارقة بدأت تتجاوز كل الخطوط الحمراء..وتصل لرأس الجمهورية..
حركة 6 أبريل كانت تتكون ببطء وثبات..أيمن نور يواصل نضاله..جميلة اسماعيل تتصدر المشهد..جورج اسحق وحركة كفاية تطور من بنيانها..
ثم الحركات النقابية..
نشات أطباء بلا حقوق أصلا لتكون بديلا عن النقابة المتجمدة بسبب توقف الانتخابات منذ 1992..وسيطرة الإخوان على مجلسها..وحمدي السيد على منصب النقيب..
تحولت النقابة في عهد هؤلاء إلى توازنات سياسية معقدة..ومعارض للسلع المعمرة..وخدمات ورحلات..وعلى استحياء: مطالبة هنا وهناك بكادر أو زيادة حوافز..
تذكر يا صديقي..حتى عام 2008..كان مرتب الطبيب النائب لا يتجاوز الثلاثمائة وخمسين جنيها فقط لا غير..
ثم أقرت الحوافز 300%..من أساسي المرتب..التي رفعته إلى ما يقارب الألف جنيه..
اليوم..أستطيع أن أقول أنني انضممت بجدارة لحركة نقابية واعدة..
أطباء بلا حقوق..
*-*-*
اليوم كانت الجمعية العمومية العادية..وهي تعقد بالنقابة العامة في الأسبوع الأخير من شهر مارس من كل عام..
سلطة الجمعية العمومية تتعلق بمناقشة أداء مجلس النقابة السابق..والميزانية عن العام المنصرم..وكذلك مناقشة أية مطالبات خاصة للأطباء..
في ظل تلك الظروف..وفي ظل تجمد النقابة عن واجباتها فعليا..يتحول الأمر إلى شيء روتيني ممل..
أنت بالتأكيد تتذكر السنة الفائتة في نفس الوقت..حين أتيت بأوتوبيس النقابة الفرعية..وحيث استلمت الكارنيه الخاص بك..وحيث ذهبت لحديقة الأزهر..
لا بأس..أرجو ألا تتذكر أكثر من هذا..
هناك بعض الذكريات المؤلمة يجدر بنا نسيانها يا صديقي....
*-*-*
كانت د.شيماء مسلم أول من قابلت..
بالأمس كانت مناقشة دعوة أطباء بلا حقوق لحضور الجمعية العمومية..كنت مستجدا..فبعثت بسؤال عن كيفية الحضور..وعن ماذا سنفعل في الجمعية العمومية..
كانت د.شيماء أول من أجابني..أجابتني بكل حماس عن كل أسئلتي..أرسلت لي رقم الهاتف..وأرسلت لي طلب صداقة..
كنت ممتنا للغاية بهذه المحادثة..وقبل الخروج من المجموعة..أرسل لي د.حسام برد مفصل آخر..
 يا للروعة يا صديقي..أنا لم أقترب أبدا بهذا القدر..
ذهبت للنوم..آملا أن أحظى بيوم جيد غدا..
*-*-*
وصلت للنقابة في تمام الساعة الواحدة ظهرا..كان هناك تجمع كبير من الأطباء..
أطباء حديثي التخرج..وأطباء كبار السن..ووجدت كذلك بعض الزملاء من الدفعة المقيتة..
كنت أستغرب وجودهم..ثم أدركت أنهم هنا بهدف الاصطياد..هذه مواسم تزاوج مضمونة..
حاولت أن أصل لأي أحد من الصور التي شاهدتها لهم..لكنني لم أستطع..
فحاولت الاتصال بـ د.شيماء..لكن الضجيج كان عاليا للغاية..فأرسلت رسالة أبلغتها فيها أنني في الطابق العلوي..
ثم انتظرت..
أتت فتاة ترتدي نظارة..مدت يدها وسلمت علي..وعرفتني بنفسها..د.شيماء مسلم..
أهلا وسهلا..
(..)
أخذتني إلى حيث يقف الباقون..كان حسام وشريف يمسكان بلافتة عليها شعار أطباء بلا حقوق..ومطالب المجموعة..
كنت أشعر بأنني تائه..ومرتبك للغاية..
أعطتني ورقة ما وطلبت مني جمع توقيعات الأطباء عليها..وذهبت هي لتجمع توقيعات على أوراق أخرى..
يا سلام..!!
وكأن الأمر بهذه البساطة..!!
ثنيت الورقة ودخلت إلى حيث القاعة الكبيرة..الممتلئة عن آخرها لأراقب ما يجري..
وكان الأمر يستحق..
*-*-*
هناك على المنصة..د.حمدي..وبجواره أخرون..
هناك من يدخلون ويخرجون..وهناك من يتحدث على المنصة..
ثم لمحت د.منى..
سيدة ضئيلة الجسد..وشعر أسود تربطه بربطة خلفية كتلميذة في مدرسة ثانوية..وكانت ترتدي قميصا أسودا..تتحرك بنشاط..بين الصفوف الأمامية..وخارج القاعة..
تتحدث مع بعض الأطباء قليلا..وترد على آخرين..
هناك من يتحدث على المنصة..وهناك شاشة تم ضبط توقيتها على ثلاث دقائق لكل متحدث..
لم يبال أحد بالأمر على أي حال..كان الكل -في أوقات كثيرة –يتحدث في ذات اللحظة..
هناك من يطلب الكلمة..هناك من يتحدث بحماس..هناك من يقاطع..هناك من يحتد..هناك من يشتبك مع الآخرين في كلماته..هناك من يهديء الأمور..ثم يعود الأمر من جديد..
هناك من ألقى شعرا..!!
لا أعرف من أين واتته الشجاعة ليقول مثل تلك الكلمات..لكن هناك من صفق له على أي حال..
كنت أقول لنفسي: ماذا أفعل هنا بالظبط..؟!
ولم أجد إجابة..
*-*-*
قابلت د.شيماء مرة أخرى..تحدثنا قليلا عن المستشفى..الغريب أنني لم أقابلها يوما هناك..برغم أنها استلمت عملها قبلي بشهر كامل..
أخبرتني بوجود اثنين من زملائنا بالمستشفى هنا..
د.محمد رخا..ود.أحمد عيد..
لم أعرف أيا منهم بالطبع..وابتسمت لنفسي ساخرا..أنا لو قابلت نفسي بالمستشفى لن أعرفها فيما يبدو..
نهضت لتكمل جولتها..بينما أكمل أنا في تأمل من حولي..
*-*-*
ثم صعد ذلك الشاب للمنصة..(..)      
أعرفه..ذلك الشخص من حركة شباب الأطباء..ومنسقها..وزعيمها..
كان يتحدث بحماس..وانطلق حماسه ذلك بين الجميع..فصفق له الحاضرون بقوة..بينما كنت أتعجب مما قال..
كان يتحدث بشكل عام عن أوضاع الأطباء..ويلوح بيده وذراعه بأكمله..ويرفع صوته في مقاطع معينة..لكنني لم أخرج من حديثه بأي معنى حقيقي..
قلت لنفسي: ما هذه الهراء..؟!
وعلام يصفق هؤلاء الحمقى..؟!
قمت من مكاني وغادرت القاعة..ثم لمحته بعد قليل بعد أن أنهى كلمته ونزل عن المنصة..
كان قصير القامة..قميصا وبنطالا..وحقيبة ظهر خفيفة..ونظارة..ونظرة لامعة في عينيه..ولحية خفيفة "سكسوكة" حول فمه..
يبدو أنه حقق ما أراد..
أصبت بخيبة أمل بعض الشيء..
يبدو أنه مثل الجميع هنا..ييتحدثون لينفسون عن أنفسهم بعض الشيء..
ويبدو أنها ستكون أياما سوداء..
*-*-*
بعد قليل..انتهت الجمعية العمومية..بتلاوة بعض القرارات..لم أشغل نفسي كثيرا بمعرفتها..وإن استغربت من كيفية إقرارها..
هذه فوضى كاملة..لن أستطيع أن أفهمها بسهولة..
تصويت سريع ممن تبقى..وكأنها آخر لقمة متعجلة قبل النهوض من على الطاولة..
ثم جلس بعض الحاضرين لصياغة قرارات الجمعية التي تم التصويت عليها..
حدثت بعض المشكلات..وبعض المشادات..لكنها انتهت في آخر الأمر..
حين خرجت من النقابة..كانت السابعة مساءً قد حلت..
كنت أشعر بتعب بالغ..لكني كنت أشعر في ذات الوقت بالتغيير الهائل الذي يحدث الآن..
والذي خطوت أولى الخطوات له..
هذه علامة فارقة يا صديقي..
قد بدأنا الطريق في المسار الصحيح..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8