مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..1

مستشفى العباسية..
العيادات الخارجية..
18 – 3 – 2010  -  1:10 ظهرا..
أدخل من البوابة الداخلية للمستشفى..
في تمام الساعة العاشرة صباحا..
أمام العيادات..أنتظر على دكة خشبية أرتشف من كوب الشاي في يدي..
أبحث بعيني عن السيدة مديرة العيادات..لم تأت بعد..
أنتظر قليلا بعض الشيء..
ثم أتخذ قرارا بأن أذهب إليها في مكتبها..
ربما أخطأت الفهم..ربما كانت تقصد أنني يجب أن أقابلها في المكتب لا هنا..
*-*-*
الطريق الطويل إلى هناك كان بلا فائدة..
لم أجدها هناك..
عدت للعيادة..فكانت تقف هناك مع أحدهم..
رحبت بي مرة أخرى..ثم اصطحبتني للداخل إلى واحدة من الغرف التي يجري فيها الكشف..
عرفتني بالطبيب بالداخل..ثم ذهبت..
الغرفة ليست متسعة ولا ضيقة..هناك مروحة بالسقف..هناك ذلك اللون الأقرب للأخضر الفاتح..
هناك مكتب خشبي متوسط..وخلفه كرسي بلاستيك يجلس عليه الطبيب..
وعدة كراسي أخرى متناثرة..
جلست بجواره كطالب مجتهد..بضع كلمات ترحيب وتعارف..
"الحق أنني لم أعد أذكر اسمه الآن..سقط من ذاكرتي..فلم يمثل لي أهمية لأذكره هنا.."
ثم دخلت بضع حالات مختلفة..
لم يختلف الأمر كثيرا عن أيام الامتياز..
أشاهد وأسمع في هدوء..
هذا لا يساعد كثيرا كما تعرف..يجب أن أتخطى هذه المرحلة..
يدخل مريض..يستمع إليه الطبيب..ثم يكتب كلمات ما على تذكرة العلاج..يأخذها المرض أو أحد من أهله..ويمضي لصرفها..
أفكر ماذا لو كنت مكان هذا الطبيب الآن..
لم يكن لي خبرة واسعة للجلوس والاستماع للشكوى..فلم يكن لي الحق في كتابة أي تذاكر علاجية بأي حال..
يعني لا خبرة في الأدوية..ولا علم بإداريات أو إجراءات متبعة هنا لصرف العلاج..
لذلك يجب أن أجلس بجوار أحد ما لبعض الوقت حتى أستطيع التعامل..
لكن هناك من فتح بابا في السماء ساعة التفكير في جلوسي خلف المكتب..
فجأة..قام الطبيب بجواري مستئذنا..للذهاب لشأن ما..وتركني وحيدا..!!
يارب الكون..!!
أنا الذي لديه خوف من أن أترك وحيدا..أن يذهب الجميع ويتركوني من خلفهم..
ها أنذا..لدي المكتب..الكرسي..دفتر التذاكر..وبعض تذاكر المتابعة للمرضى..
والممرضة تعاملت بآلية تماما..وجاءت بأحد المرضى لصرف العلاج..
عاش الملك..
مات الملك..!
*-*-*
كنت مرتبكا..
يدي ترتجف..وقلق هائل يتملكني..
هذه ليست لعبة..هذا مريض..انسان..أتى هنا بحثا عن علاج..فوجدني..
مثل هذا الرجل أمامي..
فتحت تذكرته..أحاول أن أقرأ شيئا..الصفحة الأخيرة..هناك شيء يبدو "مثل يكرر العلاج في 28 يوما"..ثم توقيع بخط لا يقرأ..وتشخيص يبدو لعيني مثل "
CHRONIC SCHIZOPHRENIA"..الذي هو "فصام مزمن"..
أصعد قليلا للأعلى..نفس الكلمات..وإن كانت بخط أسوأ..ثم يبدأ الأمر في السوء أكثر وأكثر كلما صعدت للصفحات الأعلى..
أقلب التذكرة لأصل للبيانات الأساسية..لا شيء هناك سوى اسم..ورقم الملف..
كل شيء هاديء هنا..
أنظر للمريض..أحاول جذب أطراف الحديث..لكنه منغلق بطريقة لا توصف..بارد تماما..ملامحه متجمدة بصورة غاية في الجدية والصرامة..
"هذه علامات مرضية للمرضى المزمنين البؤساء..نتيجة من المرض والدواء على حد سواء.."
كان وحيدا..لم يكن هناك أحد من أسرته معه..وكل ما كان يريد هو أن يصرف علاجه الشهري فقط..
لا بأس..هذا أول تعامل لك معه..لنقم بتكرار العلاج..ثم نرى الأمر فيما بعد..
*-*-*
ثم أتى من بعده..ومن بعده..ومن بعده..
كلهم تنويع على مريضي الأول..
كلهم يطلبون ذات الطلب..أن أكرر العلاج الموصوف لهم جميعا بدون أدنى تغيير..
لم يكن لديهم الاستعداد للكلام إلا قليلا..ابتسامة متجمدة ربما كانت تلوح هناك للحظات خاطفة..ثم لا شيء..

هناك من دخل في وسط عملية الكشف الطبي/ التكرار هذه..ألقى السلام..وتأملني قليلا..ثم مضى..
"سأعرف فيما بعد أنه مدير العيادة..مدير العيادة العامة حين أقابله بعد غد في مكتبه.."
أخذت أفكر قليلا..
هناك مريض ما..أتى ليصرف علاجا لمرض ما..دخل إلى طبيب ما.."نصيبه" كان في طبيب مثلي..
ربما حالفه الحظ وكرر علاجه كما هو..ككاتب يحترم مهنته..
وربما لم يحالفه الحظ..ودخل في متاهات أخرى..
بالنسبة لي..لم أكن ملما بأسماء معظم الأدوية المكتوبة هنا..فكنت أبتسم..وأنسخ الأسماء كما هي..
المشكلة كات في الأرقام..أرقام التركيزات..وأرقام الجرعات..لم تكن بذات وضوح الأسماء..
ربما كان المريض يساعدني ويأتي بتذكرة علاجية قديمة..لكن الأغلب لم يكن يفعل..
في النهاية..كان حظي حسنا..
لم يكن هناك إشراف علي من أي نوع..
طبيب مضى وتركني –عليه اللعنة- لمصيري..فحاولت أن أنجو وحيدا..
في هذه الحالة..أنا أحاول أن أقلل الضرر لأقصى درجة ممكنة..لا تحاول التذاكي ولعب دور آخر ليس دورك..
في النهاية تنتهي التذاكر..والحقيقة أن الممرضة بشكل ما أو بآخر أرادت معاونتي..فأخذت بعضا من الملفات من فوق المكتب..لمكان آخر..
لا بأس..
اترك الخجل لوقت لاحق..
أقوم..وأفكر مرة أخرى..
رباه..لو كان الأمر سيستمر بهذا الشكل..فأنا قد حكمت على نفسي بالإعدام..
لكنني أعتقد أن هناك نظام ما سيمنع هذا..
هذا خطأ ما..ستم تداركه..
"!!!"
*-*-*

وربما لم تنتبه لذلك يا صديقي..
لكن يدك توقفت عن الارتجاف في الحالة الخامسة التي رأيتها لهذا اليوم..
يبدو أنك ستنجو في النهاية..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8