أبو حماد..كفر حافظ..1

أبوحماد..
كفر حافظ..
27 – 2 – 2010  -  1:00 ظهرا..
أنزل من البيت..
أتحرك باتجاه موقف سيارات الأجرة..أركب ميكروباص..يتهادى في الطريق..نصل..
أهبط..أسأل عن الطريق لكفرحافظ..يأخذني سائق توك توك إلى موقف سيارات آخر..هناك لا يوجد سوى سيارات النقل ذات الغطاء الحديدي على صندوقها الخلفي..وقطعتي الخشب المتيقابلتين اللتان تجعلانك تجلس محشورا بين آخرين على أحدهما..في حين يقابلك شخص محشور آخر بوجهك..وتدعو الله أن يمر الأمر بسلام..
تخبر السائق بوجهتك..تخفي هويتك في خجل..لا زلت تتمتع ببعض احترام لنفسك..وهذا خطر..هذا خطر يا صديقي..
ينقبض قلبي مرة أخرى..الطريق لا يبشر بالخير..منحنيات خلف منحنيات..وطريق يؤدي لطريق..هناك تلك الحدائق التي سمعت عنها من صديقي من تلك المدينة قبلا..حدائق المانجو ذات السور الواطيء..والتي تنتصب بها أشجار سامقة..أسمع أزيز مستمر لا أدري كنهه..
ثم هناك..على البعد..ألمح مكونات ما..تشبه الألعاب العسكرية التي رأيتها في التلفاز..ثم ألمح الطائرات المروحية..
أتطلع لتلك الثكنة العسكرية بفضول..
إذن..هذا حقيقي..هناك مطار هنا..
وفي منحنى ما..يقترب السور بشدة..سور معدني تتخلله أسلاك شائكة..وخلفها تقبع طائرات في حظائرها مستكينة..
يستمر السائق في السير..ثم نتوقف..
تقريبا ثلث ساعة أخرى..
لا بأس..الجو لطيف إلى حد كبير..أهبط من السيارة..أنقد السائق أجره..ثم أستمع لتوجيهه..
أبدأ بالسير وسط طريق جانبي مرصوف..
لم تعد هناك مزارع أخرى..لكن أراض زراعية..وبعض البيوت المبنية بالطوب الأحمر تتناثر هنا وهناك..
أستمر في السير..طريق طويل متعرج..لكن لسبب ما..كنت أكثر انشراحا عن ذي قبل..
أزيز الطائرات مستمر كل فترة..
يبدو أنه كتب علي سماع كل أصوات الآلات الممكنة خلال فترة عملي في التكليف..
لكن أذني ستعدة لسماع أزيز الطائرات كل يوم..كل ساعة..
ولا العودة لصرير ماكينة ري المياه البغيضة تلك..
*-*-*
أستمر في السير..لكني بدأت أشعر بالحيرة..
قال الرجل بضع دقائق..
وهاهي عشرة منهم تنقضي بلا أمل في أي شيء..
حينها..أصل أمام معهد ديني ابتدائي..يرمقني أطفال صغار..وذويهم بفضول..
هذه قرية صغيرة..كالعادة..كلهم يعرفون بعضهم البعض..
لذلك أبدو –بالقطع- غريبا..
أسأل أحدهم عن الوحدة الصحية..يشير لخلف منحنى قريب..
فأستمر بالسير..
*-*-*
أحدث نفسي بما سوف ألقاه..أحاول أن أوطن نفسي بأنني رأيت الأسوأ..
بالتأكيد قد رأيت الأسوأ..
يا صديقي العزيز..بالتأكيد لن يوجد ماهو أسوأ من وحدة صحية..هي شقة سكنية متهالكة متربة قذرة..أو وحدة سكنية من طراز الستينيات وآيلة للسقوط..لن يوجد أسوأ من البشر الذين قابلتهم..لن يوجد أسوأ ولا ألعن من ذلك الكابوس..
لكن رغما عني..ارتجف قلبي فرقا..
ماذا لو كان هناك أسوأ..؟!
*-*-*
ثم أتوقف عن المسير..
أقف مذهولا لما أراه أمامي..
لا بد أنني كنت أحلم..
الوحدة الصحية..بكفر حافظ..
رباه..لم تكن وحدة صحية..
هي وحدة طب أسرة..!!
ليست شقة قذرة..وليست آيلة للسقوط..وليست أرضا خلاء..وليست أي شيء لعين مما خبرته سابقا..
هي وحدة طب أسرة..مبنية على الطراز الجديد..تلك الفخامة البالغة..الرخام في الواجهات..والشبابيك المعدنية ذات المجرى..!
أخيرا..
أخيرا..!!
*-*-*

أدلف للداخل..أجد من يرمقني بفضول..أسلمه ورقة انتدابي لهذا المكان..أسمع عبارات الترحيب..
لكني مشدوها أرمق المنظر الرائع وسط المكان..الذي يشبه المنور الواسع الذي تدخله الشمس من نوافذ علوية..ضوء دافيء ينتشر على الأرض بعذوبة بالغة..
أرمق الغرف المتراصة على الجانبين..أرمق الدواليب المعدنية ذات الزجاج السليم..المكتب الأنيق..الملفات المتراصة بنظام..الكرسي الدوار..رباه..هناك كرسي يدور حول محوره أيضا..
سرير الكشف..والملاءات النظيفة..
أرمق اللوحات على الأبواب..أرمق النظام العام للمكان..
ثم..لحظة واحدة..
أبحث عن ذلك الشيء الثمين بلهفة..
أها..هناك..هناك في النهاية..الحمام..يقبع بانتظار البؤساء الذين يحتملون العذاب الأليم..
رباه..هناك حمام هنا..!!
عندها لا آبه لشيء آخر..
لا آبه لكاتب الوحدة الذي يسألني عن تأخري ليومين في الاستلام..
لا آبه لكل الأوراق التي أوقعها..
لا آبه لأي شيء..
هناك ماهو أهم الآن..
لا بد أن فترة طويلة مرت لي منذ كنت في تلك الحالة..
اللعنة يا فتى..
أنا أشعر بكل سعادة ممكنة..!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8