مشتول السوق..وحدة الصحافة..18

مشتول السوق..
وحدة الصحافة..
21 – 12 – 2009  -  1:30 ظهرا..
كتب لي أن أشهد بعض الانتقام أخيرا..
ربما ليس انتقاما كاملا..وربما كان انتقاما غير موجه..أشبه بقنبلة من قنابل الحلفاء التي هوت بدون أي أجهزة توجيه على مدينة ألمانية..فأصابت الجميع..
لكنه انتقام علة كل حال..
*-*-*
أتى موظف إداري ما للتفتيش على ما أثير عن اهدار المال العام بهذه الوحدة..
كان تفتيشا مفاجئا حقا..لأنه لم يكن من الوحدة المحلية او المحافظة أو الإدارة أو المديرية حتى..
كان من الجهاز المركزي للمحاسبات..
حتى في ذلك الوقت من الحكم المتأخر لمبارك..كان هذا الجهاز لا يزال يحتفظ بدرجة كبيرة من الاحترام..ويظهر الكثير من قضايا الفساد كل حين وحين..
طبعا..في ظل هذه الفوضى العظيمة..كانت تلك مفاجئة قاسية..
كان الانتقال السريع المرتبك من الوحدة القديمة الآيلة للسقوط..من حيث البشر والمعدات والأدوات والمرضى..إلى حيث المقر المخصص لسكن الطبيب والممرضات قديما..كان ذلك الانتقال عبارة عن فوضى عارمة..شيء يشبه مابعد الحرب والتهجير..منظر يستحق فيلم رديء من أفلام رعب ما بعد الحداثة..
نقلوا أشياء..وتركوا أشياء أكثر..لتغرق في مياه الصرف الصحي..بعد أن أغلقوا أبواب الغرف الأرضية عليها..وأخشاب النوافذ التي يقبع عليها عواميد من الحديد الصديء الملتوي..
بينما تركوا الباب المؤدي للسلم ذي الدرجات المتآكلة..حيث الدور الثاني ينتظرك..لترى المزيد من الغرف المغلقة..
هناك..حيث ذهب المفتش المختص..ليرى المساحة الكبيرة للوحدة التي بنيت في الستينيات لتكون مستشفى صغيرة..بها مركز عمليات صغرى..
هناك حيث ذهبت معه لأرى الخراب يعم كل شيء..
الخراب الذي كان بعضه على يد الطبيعة والزمن الكارهين لوجود هؤلاء هنا..وعلى أيد الناس الذين كانوا يأتون لهنا..وعلى أيدي الموظفي انفسهم..الذذين تركوا الخراب ينتشر لهذه الدرجة التي لا أمل في إصلاحها أبدا..
كانت هذه المرة الأولى التي أذهب فيها لمثل هذا المكان..على الرغم من أنه لم يبتعد إلا بضع خطوات عن الموقع الحالي للوحدة الخربة بدورها..وأول مرة أدرك وجوده..
كنت أرى الأوراق المتناثرة في كل مكان..أكوام منها..
وثائق حكومية..وتذاكر كشف..وأوراق دخول..ومستندات..ونسخ من أوراق شخصية..أشياء من تلك التي كانت لتطير عنقك لو لم تأت بها في وقتها في ذلك الزمن القديم..
الآن..هاهي تختلط بأديم الأرض..
يعجنها الأشقياء بالتراب..ويلصقها الآخرون بالمياه على الجدران المشققة..الجدران التي بدأت الطحالب في تسلقها..لون أخضر يختلط بلون أصفر كابي..مع لمحة رمادية تحيط بكل هذا..
ربما هي تأثير الفكرة بأن كل تلك الأطلال كانت من الستينيات من هذا القرن..
وربما هي تلك الأعشاب والحشائش التي بدأت في الظهور هي الأخرى بين شقائق البلاط على الأرضية..
وربما هو التراب الذي بدأ بالزحف على كل شيء..
*-*-*
أتجول مع الرجل في المكان..
أتساءل عمن له القلب الشجاع الذي يأتي لهذا المكان ليلا..
تأتي الإجابة سريعا..على الجهة المقابلة كما هو الحال هناك في السكن/الوحدة..يقطن نجار وورشته..
هذا النجار بشكل يستحق الاعجاب قام باستخدام الساحة الواسعة الملحقة بالوحدة كمخزن لأخشابه ومهماته..
طبعا هذا الأمر لم يكن ليمر بدون معرفة البعض..موظفي الوحدة غالبا..مدير الإدارة ربما..أصحاب الوحدة المحلية بالتأكيد..
كل هؤلاء من نفس المنطقة..من نفس القرية أو من حولها..بالتأكيد يعرفون..
بل ربما يعرف الطبيب مدير الوحدة السابق بهذا..
المعرفة وحدها في هذا المكان لا تكفي..لا بد من الحاق نوع من أنواع المصلحة بهذه المعرفة..لتضمن لها خمولا..
ولتضمن الصمت..
*-*-*
المؤامرة الكاملة تتضح لي الآن فيما يبدو..
لم يعد هناك من يسأل على أي شيء..لم يكن هناك من يسأل عن أي شيء من الأساس..
طبعا الكل لديه حجج ما..
اوراق عديدة تثبت شيء لا إثبات عليه..
ربما حانت ساعة الحساب لكل هذا..
 *-*-*
ثم نعود للوحدة..ويبدأ الرجل في كتابة ما يفترض به كتابته..
الحقيقة أنني كنت سعيدا..
لمرة نادرة أخرى أشعر ببعض السعادة هنا..
سيفتح ذلك أبوابا من الجحيم على كل من هنا..وعلى الإدارة العليا..
أتمنى ذلك..أتمنى ذلك من كل قلبي..
أتمنى أن يحترقوا جميعا بذات النار التي أحرقوني بها طوال تلك الشهور البشعة التي كنت آتي فيها لهنا..
كل مقت وغضب هائل بداخلي ينتظم مع كل حرف يكتبه الرجل في مذكرته..
وإن كنت بداخلي أدرك أنه في النهاية لن يحدث شيء كبير..
سيتوقف الأمر عند بعض التحقيقات..والأوراق التي ستنهال من كل الأطراف..ليغرق بها الجميع بلا استثناء..
ربما لم تكن تلك قنبلة نووية..
لكن الصراصير ستظل على قيد الحياة كما هي دائما..
*-*-*
أرافق الرجل حتى بداية الطريق..
أخبره كما يشبه التوصية بألا يترفق بهؤلاء..
رباه..كم كنت بريئا حينئذ..!!
يخبرني أن الموقع ملائم جدا لكتابة بعض الأشعار والقصص..
نبدأ حديثا ماسخا بعض الشيء عن الأدب والأدباء والنشاط الأدبي في الزقازيق..
لا بأس..
بعض العمى ولا العمى كله..
فارقني الرجل أخيرا على وعد باللقاء بعد يومين لاستكمال العمل..
*-*-*
أعود للوحدة..وأقرأ المذكرة مرارا وتكرارا..
لا أتحدث مع أحد منهم على الاطلاق..اتركهم لذعرهم وتوقعهم الخراب..
أنظر لتوقيعي على الورقة..
وأبتسم..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8