مشتول السوق..وحدة الصحافة..17

مشتول السوق..
وحدة الصحافة..
19 – 12 – 2009  -  12:00 ظهرا..
اتصالات متعددة على هاتفي المحمول..
في تلك الأيام..بدأت عادة جديدة لدي في الظهور..
أن أتجاهل الاتصال القادم..وبالطبع مهما زاد عدد مرات الاتصال..كانت ذلك أولى بعدم الرد..
الحق أن تلك الأيام البائسة كانت سببا في تكوين أشياء أساسية في شخصيتي فيما بعد..
انتهى الاتصال أخيرا..فقط ليتكرر بعد قليل..
*-*-*

بعد فترة من الهدوء..أتت إلي رسالة نصية قصيرة..
رباه..من هذا الشخص العظيم الذي لايكف عن الالحاح بهذه الصورة البشعة..

أقرأ الرسالة متوجسا خيفة..
يا ألله..خبر يبدو سارا أخيرا..وبعد طول غياب..

الرسالة من طبيب جديد..بعث ليكون معي في هذا المنفى..
قلت لنفسي..لعله خيرا..ربما يأتي ويأتي معه تغيير شامل بكل شيء..
يؤانسني في وحدتيّ..وحدة الغربة..ووحدة الأشخاص..
ربما يكن عبقريا..فيهون علي الغباء القابع فيه منذ الأمد..

وربما يكون سعيدا..فينتشلني من هوة الكآبة..
ربما يكون مثقفا..فيرحمني من كل هذا الهراء..ونقضي وقتنا في مناقشة كيف بدأت الأشياء..
ربما يكون أي شيء آخر غير هذه القذارة..
*-*-*

حينما أقابله أخيرا..شعرت بطعنة نجلاء تخترق ضلوعي..
كنت آمل أن أجد أمامي من يشاطرني بعضا من أي شيء ثقيل اعاني منه هنا..

يخفف عني بعض الشيء..
لكنه أتى متلهفا..عائدا من الجيش بعد أن قضى هناك سنة بأكملها..أكبر مني بعام واحد..ولا يملأ رأسه إلا التراب..

وخيوط العناكب..وصدأ البشرية..
وغد آخر..
"لا أتذكر شكله أبدا الآن..مجرد خيال لما كان عليه..ظل عبر سريعا..ولم يلبث بأي شيء ذو أهمية في ذاكرتي.."

لا يهمه سوى المرتب..الحوافز..أي مكافآت إضافية..أيام العمل..أيام الغياب..التقييم..التفتيش..إعانة التجنيد من النقابة..
ليس ذلك عيبا أبدا..
العيب أن تكون حياتك كلها مكرسة لذلك..
العيب هو أن تتحول من طبيب تملأ ذهنه أحلام عن المستقبل العظيم الخالي من الأمراض..عن الاكتشافات العبقرية التي سيهديها للبشرية..عن الأمل الذي سيزرعه في قلوب الآخرين..أن يتحول لهذا الشيء المشوه الذي يسيل لعابه على شدقيه بحثا عن أي قرش..
لهذا الحد قتلوه..؟ واستبدلوه بهذا الشيء الجالس أمامي..؟

ألهذا الحد استجاب لهم..ولم يقاوم أبدا تغييره للأسوأ..؟
أشعر ببعض الشفقة..ثم تذهب سريعا ليحل محلها الازدراء..
وأرتجف رعبا..
أتمسك بما تبقى لي من نفسي..أشيح بنظري بعيدا عنه..
أتمتم ببعض الأشياء لعلها تحميني من ذلك المصير..
انظر إليه فأجد الشيطان الصغير القذر قابعا فوق رأسه..سعيدا برفقة جديدة متوقعة..
*-*-*

لكني اقول لنفسي ربما يكون هناك أمل..
ربما..