مشتول السوق..وحدة الصحافة..10

مشتول السوق..
وحدة الصحافة..
ماتبقى من ذكريات أيام الحملة..أيام متفرقة تمتد مابين 2 – 11 – 2009 إلى 10 – 11 – 2009..
اليوم التاسع للحملة..12:00 ظهرا..
لاشيء جديد..
انا في طريقي للمنزل..
نحن ننهي الأعمال..ولاشيء جديد..
لم يتبق الكثير..
هناك من يتحدث أننا على وشك انهاء تطعيم الأطفال التابعين لمحيط الوحدة الصحية..
وإن كنت أشك في ذلك..
ما أراه هنا هو شيء أقرب لملئ الخانات لا أكثر..
ولا أقل..

*-*-*

اليوم العاشر للحملة..12:30 ظهرا..
اليوم كانت آخر زيارة لهذه القرية.."ماذا كان اسمها..؟"

كان الهدف الأصلي هو أن نصل للعدد المستهدف من الأطفال لتطعيمهم حسبما تريد الوزارة..
وقد وصلنا إليه..
هالالويا..
لقد انقذنا الأطفال الأبرياء..الملائكة..
هناك الكثير من التجاوزات التي شهدتها بعيني..وحدثت بدون علمي..وهي نمط حياة هنا فيما يبدو..
والحقيقة أنني لم أكن أملك فيما يبدو –أيضا- إلا الاعتراض..والكتابة..
واطلاق اللعنات..
سأكتب عن كل هذا فيما بعد..
بالتفاصيل التي سأحاول أن أتذكرها..
*-*-*

..........وحتى اليوم الأخير في الحملة..

لم أجد أي شيء يستحق المجيء..
الحقيقة أنني لم أجد أي شيء يستحق البقاء هناك أصلا..
غائبا عن الوعي..نائما..منطلقا في عوالم خيالية هائمة..
أستيقظ لأكمل نومي..مهما نمت..لا أريد النهوض..
ملازما لسريري..لمكتبي في بعض الأحيان..أشاهد بعض الأفلام..
أقرأ..أقل القليل في الحقيقة..

لم أصل لهذا المستوى المتدني في حياتي كلها من قبل على ما أتذكر..
كتاب أعجز عن تتمته منذ بدأته منذ أربعة أشهر..

اللعنة..اللعنة..اللعنة..
ماذا يحدث لي في هذا الجحيم..؟
*-*-*

يقول الله بعذاب أبدي للكافرين والعصاة..
عذاب أبدي يتجدد..يتغير..ويستمر..
أنا ربما أكون عاصيا..
لكنهم كذلك ليسوا "الله"..

*-*-*

أقول لزميلتي يوما أنهم يكتبون أسماء الأطفال..كلهم بلا استثناء..من تناول الطعم ومن لم يفعل..
تبتسم في بساطة مريرة..
تقول أنهم هكذا قد تحسن أداءهم بعض الشيء..
قد عرفت فيما مضى حملات تقوم بكسر أمبولات التطعيم..ثم تقوم بكتابة الأسماء..
هكذا..يتوصل حماة الصحة المصريون لحل بسيط وغير مرهق..وبعيدا عن الأعين..ويعمل بأمان تام بمنأى عن العقاب..
المهم..أن "المستهدف" قد تم..
هكذا..ينام الجميع قرير العين..
الوزارة..المديرية..الإدارة..الجهات المحلية..منظمة الصحة العالمية..الممرضات..والموظفون..والناس..
الكل سعيد بالانجاز العظيم..
ونجاح الحملة..
*-*-*

أتقلب في سريري..أتذكر الشيطان الصغير الذي تركته هناك وحيدا..وانشغلت عنه بأيام الحملة..
رباه..كم أفتقدك يارفيق..
ترى ماذا تفعل الآن وحيدا بين أولئك الأشرار..؟
*-*-*
تجتاحك موجة عارمة من الشك في كل الناس وكل الأشياء..
أولئك القساة غلاظ القلوب..
هل التطعيمات أصلا سليمة..؟
هل احتفظوا بها على طول الطريق من الوزارة في القاهرة..وعلى مدى الهرم العلاجي هبوطا حتى الأطفال البؤساء كما ينبغي..؟

هل أصلا من المفترض أن يتلقى كل الأطفال هذا التطعيم..؟
هل حدث شيء في غيابك..؟
لحظة..هذا سؤال غبي..
المفترض أن أسأل هل حدث شيء في حضورك..؟
لحظة..هذا سؤال أغبى..
حضورك وغيابك يستويان مثلا..

هل حدث شيء على الاطلاق..من الممكن أن تحاسب عليه..وتتحمل وزره..؟
هذا هو السؤال الأكثر غباء على الاطلاق..
لا أحد يحاسب أحدا هنا على أي شيء..
ولا أحد يتحمل وزر أي شيء..
هذا نرزخ جميعا في هذا الجحيم..
الفارق فقط أنهم يتعايشون فيه..
ربما يكونون سعداء كذلك..
*-*-*

حاول أن تنام قسطا من النوم..
لا يزال أمامك أياما عديدة على هذا الحال..