مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة..36

القاهرة..
م.العباسية..وحدة السيدات المطورة..
السبت: 11 ديسمبر 2010  -  5:00 مساء..
في سكن الأطباء..
كان الحل الوحيد الذي أخرج به من أزمتي المالية المزمنة هي أنني أنهي التزام آخر من أوجه مصروفاتي..
أترك الشقة الحقيرة التي سكنت بها ما يقرب من ستة أشهر..أترك السيدة المسنة الغاضبة دوما..المتشككة طول الوقت..وابنها الغامض..وأن أذهب لسكن الأطباء في العباسية..
حكيت لك سابقا يا صديقي عن السكن..
لا داعي لتكرار الحكايات..
*-*-*
أخيرا في السكن..
لملمت حاجياتي في ست شنط بلاستيكية ضخمة..وشنطة ظهر..ملأتها بكل شيء يخصني..
ثم اتصلت بصاحب المنزل ليأتي ويستلم الشقة..
في الدقائق الباقية تأملت الشقة العتيقة..الدهانات المتشققة الزيتية القديمة..الآرج الخشبي الذي يفصل الصالة الضيقة إلى قسمين وبذلك احتسبت غرفتين..الغرفة الثالثة التي لم أكن أدخلها إلا لماما..الدولاب المكدس ببواقي تركها صاحب لشقة..وأناس آخرين..صور شخصية أوسرية ومجلات مختلفة..لوحات حائط..وأطر..
أرمق الفرش العتيق..المرتبة الحجرية..الصهد الرهيب الآتي من السقف..ومن الجدران الخارجية..
السجادة القذرة الناحلة..والتراب وذرات الرمال التراكمة التي جلست يوما كاملا أقوم بتنظيفها..
الحمام الضيق..ذي الألوان الغامقة..والبوتاجاز الذي لم أستعمله إلا لماما..وثلاجة لم أكن أصنع بها شيئا..
تذكرت الأصدقاء الذين أتوا لي هنا..لزيارتي..ولقضاء ليلة أو أخرى لدي..
أتذكر الحسابات الطويلة التي أجريتها لمحاولة تنظيم مواردي المالية القليلة..العلب البلاستيكية التي امتلأت بوجبات غذائية رخيصة..علب التونة..وعلب البيبسي..والعصائر المختلفة..
لا بأس..
انتهت هذه المرحلة من حياتك يا فتي..
يقول لك صاحب الشقة وهو يمد إليك يده بالتأمين الذي دفعته سابقا..
أعد المبلغ..أجده ناقصا 100 جنيه..
أسأله عن أين ذهبوا..
بابتسامة صفراء: -دي علشان الست اللي هتنضف..
مائة جنيه كاملة..
بلا أي كلمة أخرى..أتجه للأسفل وأنا أحمل الشنط البلاستيكية الثقيلة التي تكاد تدمي يدي..
*-*-*
ينزلني التاكسي عند المبني..
قبل ذلك يخبرني سائق الأجرة بابتسامة بلهاء: إنت إيه اللي مدخلك مستشفى المجانين..؟
أحكي له حكايات طويلة تسليه حتى دخولي..يكلفني ذلك خمسة جنيهات إضافية..
أنزل..وأسحب حقائبي كلها..
أتلفت حولي لعلي أجد من يساعدني..لا يوجد أحد..
لا بأس..هذه حكايتي الأبدية..
وحتى لو وجدت أحدا..فلن أطلب منه المياعدة غالبا..ربما لو عرضها هو..
أيا كان..
أسحب الشنط الثقيلة المؤذية..وأتجه للسلالم..
كان هناك مصعد..لكنك تعرف طبعا أنه معطل..
الدور الأرضي..غرفة مدير المباني..وحدة الجلسات الكهربائية..وقسم نفسي..
الدور الأول علوي والدور الثاني علوي..وحدة الإدمان..
الدور الثالث علوي..وحدة أمراض نفسي..التأمين الصحي..
الدور الرابع..أصل إليه وأنا أكاد أنهار..
لا بأس..أخيرا..سكن الأطباء..
مرحبا بك..
*-*-*
يوما قابلت مسؤولة جدول النوباتجيات..د.وفاء..وأخبرتني أن النائب الإداري لن يفيدني..وأنني أستطيع أن أطلب المساعدة من طبيب يوجد في السكن..أكبر سنا..د.سعيد..
قابلته يوما..
رفيع..طويل القامة..ويزداد طوله بنحوله..وبملابسه الغريبة قليلا..ملابس أقرب للهنود أو الباكستانيين..والأقرب لثقافة اسلامية سلفية..يؤكد ذلك لحية عملاقة..
رحب بي مجددا..وأخبرني أنه سيساعدني في الانتقال للسكن..
"لم لا أذكر شيئا عن تلك الحوارات..؟ لم أهتم بتسجيلها في حينه..ولذا اندثرت.."
يخبرني –بعد لقاء أو اثنين- أن هناك متسع لي في السكن..وأن باستطاعتي المجي الأسبوع القادم..
كان هذا منذ عدة أيام..اليوم..
أضع رحالي في غرفة النائب النوبتجي..بانتظار من سيقوم بفتح الغرفة المتتظرة لي..
*-*-*
من الذي أعطاني المفتاح..؟
لا أذكر..
هل كان د.محمد سامي..؟ هل كان د.سامح..؟ هل كان شخص آخر..؟
لا أذكر..
ذهبت للجناح الآخر..الغرف الواسعة..ذات الحمامات المشتركة..
بعد انحنائة قائمة..وبعد باب في الواجهة هو مطبخ أو شيء من هذا القبيل..
هناك لون بنفسجي على عتبات الأبواب..والأبواب ذاتها بلون رمادي فاتح..
هناك متسع من المكان في صورة صالة واسعة..قبل الوصول للحمامات..
هي الغرفة الأخيرة في صف طويل من أربع غرف..مواجهة لباب الحمام مباشرة..
هناك رائحة قاتمة قليلا..
أخيرا الغرفة..وفتحتها..
أتنفس الصعداء..
ربما يمكن أن تنتهي بعض مشكلاتي الآن..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8