مشتول السوق..وحدة المنير..9

مشتول السوق..
الإدارة الصحية..
8 – 5 – 2009  -  10:30 مساءً..
من بعد أذان العصر..بدأ النوم في مداعبة جفوني..وعند أذان المغرب..قررت أن أتوقف عن المقاومة..
ذكرني ذلك الشخص السخيف الماثل بعقلي بقرار سابق  بأنني لن أنام..
حاولت تجاهله..لكنه أخبرني أن هذا ضد مبادئي..
قذفته بفردة حذائي اليمنى..وأنا أسبه..هو ومبادئي ومدير الإدارة والمحافظة والوزير والوزارة وكل مايمت للكرة الأرضية بصلة..
عندها..توقف عن المجادلة..واختبأ تحت المكتب كاتما غيظه..وأمنياته بأن أحترق في نار جهنم..
(أنا كنت أخرف..)
مستلقيا على السرير الحقير..بمرتبته..ووسادته –بعد أن وضعت جاكتتي عليها لتحول دون ملمسها وجلد وجهي- والتي يبدو أنهم قاموا بتنجيدها بالأحجار..
اطفأت النور..
كنت مرهقا..
من توتر وتحفز دائمين طوال اليوم..بالإضافة للخبرات المريعة التي مررت بها في يوم واحد..
فأغلقت عيني..وبدأت أنسحب بهدوء..
لكن دقائق قليلة..وكان هناك شيء على غير مايرام..
أزيز..أزيز مستمر..لا يفلح فيه هش ولا نش..
بعوض..!!
أي بعوض لعين هذا الذي يصدر مثل هذا الطنين..؟!
وكأنه مستعمرة بأكملها..تحتفل بجسد طبيب شاب نقي، صدق التعليمات بخدمة الوطن..وجلب لنفسه الويل..!!
 أضأت النور..وجلست على حافة الفراش يائسا..
لا فائدة..أقول لنفسي ذلك، وانا أرمق الأسراب المتكاثرة على الجدران من حولي في الغرفة الضيقة..
هؤلاء ليس لديهم ناموس..بل "نواميس"..!!
*-*-*
عندما جاء العامل ليلا..سألني إن كنت أحتاج شيئا..وألح في طلبه بصورة تثير الغيظ..
قدرت أن الرجل يرغب في منحة مالية ما..من جيب العبد الفقير لله..
لكن الأمر كان –وكما سأفهم فيما بعد- له أبعادا أخرى..
أنا غريب عن البلدة..وتقاليد الضيافة لدى هؤلاء تحتم أن يقدم لي شيئا –وإن كان على حسابي- حتى لا يعتبرها إهانة..!!
لأتخلص منه..طلبت كوبا من النسكافيه..
ومن قبل أن يحضرها..توقعت ما سأجده..وصدقت توقعاتي..
كنت أسمع حينها ضحكات ذلك الوغد القادم من خيالي من أسفل المكتب..
(لا بأس..لقد عادت الهلاوس مرة أخرى..)
أحدق في كوبين..أحدهما مليء بسائل شفاف..له لون وطعم ورائحة..أخبرني أنه ماء..
وكوب آخر..مليء بسائل ليس له لون معروف..ولا رائحة مميزة..وقد اختلطت فيه روائح ليس لها أول من آخر..
ولم أكن بحاجة لأن يخبرني أنه "النسكافيه" المطلوب..
الكوبين كانا من نوعية أكواب السفرة بالمناسبة..!!
أعطيت الرجل حسابه ونفحته بعض النقود الأخرى..
خمسة جنيهات كامة..
خمسة جنيهات في أوائل سنة 2009..
لا بأس..
أقول لنفسي هب أنك ذهبت لأي "محل قهوة-كافي شوب"..
ألم تكن لتدفع ذات الشيء..
أنت بهذا المبلغ..ساعدت انسانا محتاجا..وأنقذت أسرة من الضياع..وخلقت أسطورة انسانية جديدة..
(اللعنة..هاقد عدت للتخريف من جديد..!!)
*-*-*

ثم..
أجلس للمكتب..أقرأ..
وأذاكر..
وأستمتع بـ "النواميس"..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اعتذار واجب..

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..8