مشتول السوق..وحدة المنير..7

مشتول السوق..
الإدارة الصحية..
8 – 5 – 2009   2:00 ظهرا..
أذان الجمعة..
في وقت من الأوقات..كنت أحافظ على الصلاة في المسجد طول الوقت..
كنت أكثر هدوءا وطمأنينة وطيبة أكثر من الآن..
ثم بدأت أبتعد بعض الشيء..
كان هناك شيء بداخلي حين أسمع خطبة الجمعة..يرفض مايقال..
لدي قناعة داخلية بأن هذا الكلام ماهو إلا مضيعة للوقت..
أي شخص يعتلي المنبر..يتحدث ببعض الكلمات..يقرأ بعض الآيات..ثم لاشيء..
هل هذه صلاة..؟!
لا بأس..
فليصلوا إذن..!
*-*-*
قلت لمن معي أن يذهبوا للصلاة..وبقيت أنا وحيدا..
ماشاء الله..يبدو الايمان والتقوى على وجهيهما..!!
وبقيت أنا..
أقرأ..أكتب..أذاكر..
وأأكل أيضا..
فلم أكن قد تناولت شيئا منذ الصباح..
*-*-*
في هذه الجلسة الهادئة..دخل علي شخصين..لو أردت وصفهما لاختصرته في كلمتين: من مواطني البلد المحليين..
قال لي أحدهما..يوجد حالة وفاة..
ثم صمت..!!
لو كنت أدركت تعبير الممثل "محمد سعد" في فيلم "اللي بالي بالك"..حين كان من أمامه يتحدث بلغة لا يفهمها..
كان يفتح فمه ببلاهة..قائلا: نعم..؟!
أنا كنت هذا الشخص..
كنت صامتا..أنتظر توضيحا ما..لكن الرجل الصامت يبدو أنه قال كل شيء..!!
المفترض أنني هنا لمتابعة حالات الانفلونزا المشتبه..والتي حقيقة لا أدري ما أفعله حين تقع يدي على أحدها..
ثم يأتي أحد ما ليخبرني أن أحدا ما قد مات..
رويدا رويدا..فهمت أنني من المفروض أن أقوم بالكشف الطبي أيضا..
اللعنة..
أي كشف طبي..؟!
ليس معي سماعة أو جهاز ضغط أو أي شيء لعين آخر..
ماهو المفترض مني ان أفعله إذن..؟
*-*-*
فذهبت..!!
أسير بين صفوف الواقفين وأنا أحاول المحافظة على اتزاني..
كان الشخصان يعدان "توك توك" لكي أذهب فيه معهم..
لكني أخبرتهم أني ذاهب بسيارتي..
"أي حماقة تلك..؟ كنا لا زلنا في الأيام السعيدة التي يأتي فيها أي أحد..ليصطحبك لأي مكان..في أمان تام..
لا أصدق كم السذاجة التي كنت بها..حين أعود لقراءة ما كتبته عن تلك الأيام.."
أفسحوا الطريق يا شباب..
هناك طبيب وقور، وشاب يحاول أن يظل كذلك..
*-*-*
لم يكن هناك أي وقت لمحاولة تذكر أحداث الموت السابق..الذي فات وقت طويل على آخر زيارة له..
هناك من الأمور مايجعل أشياء مخيفة..وذات مهابة قاتمة..إلى مهمة عمل روتينية مملة..
مصدر ارتجافي لم يكن الموت أو رهبته المزعومة..
كان ارتباكي..ورغبتي في التماسك هو الأقوى..والذي يحركني بقوة نحو ما أفعله..
طبعا حاولت أن اتذكر كتاب الطب الشرعي..وكيف كان يصف الموت..
قياس النبض في أكثر من مكان..
ارتكاس القرنية.."هذه الكلمة نقلتها كما دونتها في تلك الأيام..مالذي تعنيه..؟!"
انطفاء العين..
متابعة التنفس..إلخ..
لكن كان هناك شيئ ما..لا..شيئين..واضحين تماما..
شعور بالموت..وهو شيء لا يمكن وصفه..ليست مهابته..بل وجوده ذاته..
في ملامح المتوفاة..في جمودها..في تصلبها..في الجو المحيط..في النظرات..
ثم تلك الرائحة..رائحة غريبة ثقيلة لم تعد تنكرها أنفي..
والتي تملأ كل الفراغ من حولي..
*-*-*
عدت للإدارة..                              
قلت لنفسي..السيدة ماتت..ليرحمها الله..
ماذا الآن..؟
ثم سؤال منطقي..ألا يوجد أحد في مكتب الصحة..؟
ومن الذي بعث بهؤلاء إلى هنا..؟
أيا كان..
لم أجد ما أفعله سوى كتابة ما شاهدته على المتوفية..وأنها خالية من أي آثار ظاهرية غير اعتيادية..وتنفي أي شبهة جنائية..

"فهلوة" غير عادية..وأوراق تكتب بلا أي مراجعة..أو أي سند..
هل هذا تصريح بالدفن..؟!
"لن تكون هذه المرة الأولى..سيصبح كل شيء فيما بعد بهذه الطريقة.."
لا أدري إلى أي مصير ستؤول..
أدعو الله فقط ألا تكون هذه نهايتي، كطبيب شاب يبحث عن ذاته في أرياف كهذه.. !! 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8