مشتول السوق..وحدة المنير..4

بلبيس..
المركز الطبي..
5 – 5 – 2009  -  11:15 صباحا..
جاءت إشارة بانتدابي لما يسمى بالمركز الطبي..لأقرب مركز كبير لنا..وهو مركز مدينة بلبيس..
كلمة إشارة هذه كلمة عتيقة للغاية..تعود لأيام الحكومة..ومعاون النيابة..والبيه المأمور..والباشا الحكيم..والجهادية..والميري..والمليم..إلخ..
تشعرك بالأهمية البالغة..والخطورة العظيمة..
"الحرب قائمة..ونحن نبعث بإشارة ما..يكمل الرجل في صرامة وحزم: نفذ.."
كلمة من أعمق ثنايا التاريخ..عندما كان كل شيء في الدولة نابعا من وعائدا إلى الجيش..
أطباء الجيش..موظفي الجيش..تموين الجيش..إلخ..
وعنما بدأت الدولة في النمو..بدأت من هذه البذرة..وتشعبت أفرعها وجذورها في كامل البلد..
حتى أن كلمة "الميري" هذه تمطت على الدولة كلها..ولم تعد قاصرة على الجيش وحده..
ليكن..دعنا من كلمة الإشارة..ولندخل في التفاصيل..
إشارة..للتنبيه على الطبيب فلان الفلاني..بحضور دور تدريبية في وسائل تنظيم الأسرة في مركز ...... وذلك يومين أسبووعيا الأحد والثلاثاء بدءا من....ولمدة شهر..مع خالص التحية..
ولأننا جنود في معركة كبرى..
معركة مصيرية يتحدد فيها مصير البلد بأكمله..وقد تحاسب بتهمة الخيانة العظمى مثلا لو تجاهت الأمر الموجه إليك..و لم تتعلم كيف تركب لولب لسيدة ما..أو تكتب شريط البرشام لسيدة أخرى..
لذلك..
لننفذ ياصديقي..
وتذكر..
أنت في مهمة لا نقاذ البلد بأكمله..
*-*-*
في مركز رعاية الأمومة والطفولة..يتولى التدريب أخصائي أمراض نساء وتوليد..
في اللحظة الأولى قمت بتصنيفه مباشرة..
واحد من أولئك الذين ينطبق عليهم وصف "بيأكل عيش.."
أسمر البشرة..ممتليء قليلا..قميص نصف كم..بنطلون قماشي..حذاء جلدي مترب..غير متناسقي الألوان بعضها مع بعض بأي حال من الأحوال..
يشرح الرجل شيئا ما..عن المرأة..ووسائل منع الحمل..وتنظيم النسل/الأسرة..
كلها معلومات جديدة تماما..معلومات عملية في الحقيقة..
لأن المعلومات النظرية أصلا لم تدخل عقلي..
لأنها كما تعرف.."النساء والتوليد"..ولأنها كما أدركت..بيني وبينها ماصنع الحداد..
يستمر الرجل في الشرح..وأنا مبهور الحقيقة..وإن كنت في داخلي أقاوم شعورا عارما بالاشمئزاز..
كنت أعيش في هذه الفترة مرحلة  "التطهر"..
لا أطيق أن أسمع شيئا عن هذه الهراءات..
هرطقات بمعنى أصح..
لم يصل الأمر طبعا لغض البصر..واستغفار الخالق عز وجل كلما جاءت السيرة..
لكن الأمر لم يخلو من خجل..كعذراء..
نعم..كنت أشبه الفتاة العذراء في يوم من الأيام..صدق هذه أو لا تصدقه..!!
مثلما كنت طبيبا شابا "ابن ناس"..في يوم آخر من تلك الأيام..!!
تلك الأيام..!!
ماعلينا..
فكنت أجلس صامتا..أوميء برأسي..أحاول الاستيعاب..

وأتمنى أن ينتهي الوقت سريعا..
حتى أعود لمنزلي..
أو الوحدة الصحية القذرة..
لأكمل فيها حياة الفراغ المديدة تلك..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8