مشتول السوق..وحدة المنير..5

مشتول السوق..
الإدارة الصحية..
6 – 5 – 2009  -  11:30 صباحا..
سيقول البعض: ربما هو غضب من الله..
وربما هو عذاب أشد من عذاب الأوبئة السبعة التي أحاقت بمصر بسبب طغيان الدولة..
إذ أن تلك الأوبئة لم تعد تجدي..
وربما هو مانستحق في النهاية..
*-*-*
كنت أتماسك بصعوبة بالغة..
وأكتم ضحكاتي بمعجزة ما..
لا أدري حقا مالذي دهاني..
المفترض ان هذه ندوة توعية..تتحدث عن مرض جديد يدعى "انفلونزا الخنازير"..
فيروس يسبب الانفلونزا..ويصيب حيوانات الخنازير..فجأة..أصبح شرسا كفاية ليهاجم البشر..
البشر الذين لم يتعود جهازهم المناعي على مواجهة فيروس أحمق كهذا ضل طريقه..فتتهاوى دفاعاتهم سريعا..ويجعلهم يركضون للموت بخطوات واسعة..
المفترض أن تكون هذه ندوة للتوعية..بأن وباء كهذا..قادر -لو استفحل الأمر- على إبادة قرى بأكملها..كما حدث سابقا في أوبئة مماثلة في العالم كله..
لكن لأننا في مصر..وحيث يجب أن يتخذ الوباء الطريق المعروف المليء بالأوراق والدمغات والأختام و"ادفع في الخزنة" لكي يصبح وباءا فعالا..وقادرا على إبادة قرى بأكملها –يارب..لتكن هذه القرى أولها- ولكي تعترف الحكومة بأنه وباء حقا..ثم يعترف الناس بأنه وباء حقا..فأمامنا بعض الوقت..وتعقيدات تحول دون أن يتحقق هذا الأمر على أرض الواقع..
حتى الأوبئة ياصديقي حين تتحول لعهدة..تصبح سخيفة ومملة إلى حد لايطاق..!!
*-*-*
لكننا في كارثة حقيقية..
وكما عمدت أجهزة الحكومة المختلفة لقتل حيوانات الخنازير في ضربة اقتصادية موجعة لبعض البؤساء..وبصورة همجية أقرب لقتل الهنود الحمر –والمقارنة على سبيل البشاعة لا أكثر- على أيدي الأمريكيين..
وكما فعلت سابقا حين بدأت موجات انفلونزا الطيور في الظهور تباعا..
ولأن أجهزة الحكومة متوائمة تماما..وتعمل بتنسيق على أعلى مستوى ممكن من الغباء والحماقة..
فقد كانت هذه الندوة..
التي قامت في الأساس على سبيل أداء الواجب المرجو منها..
الأدارة الصحية قامت بتنفيذ إشارة المديرية الصحية..التي قامت بتنفيذ أوامر القطاع الصحي..الذي أخذ تعليماته من الوزارة..التي تدار بقبضة سيادة الوزير..
لذلك..نتجمع هنا جميعا..في قاعة المجلس المحلي..التي أشبه بقاعة المحكمة..ويجلس مدير الإدارة..ونائبه المكلف بالترصد الوبائي أو شيء من هذا القبيل.."ذلك الذان قابلتهما أول ماقدمت"..وطبيب آخر يشرح طبيعة المرض..وكيفية الوقاية منه..
طبعا مع بعض البوسترات اللطيفة عن "كيف تتقي شر الانفلونزا"..
ندوة على سبيل تأدية الواجب..لا أكثر ولا أقل..
كي تمتليء أوراق..وتنفذ تعليمات..وتكتب إشارات جديدة..
لذلك يحرص القائمون على الندوة على التقاط أكبر عدد ممكن من الصور لكل الحضور..مع التوقيع إن أمكن في كشف الحضور والغياب..
نحن اولئك المتحمسين لمكافحة الانفلونزا..
كنت أنا أيضا حريصا على أكبر ابتسامة ممكنة..حين جاء المصور لالتقاط صورتي..وكنت بالاضافة لذلك أجلس في الصفوف الأمامية..بجوار الطبيبة زميلتي/رئيستي بالوحدة..
هذه أشياء لا تتكرر كثيرا ياصديقي..!!
*-*-*

ننفذ كل الأوامر..
بسبب الخوف من العقاب..لا حذر العاقبة..
ها أنذا أشهد البيروقراطية في أبشع صورها..
أوراق..
ثم المزيد من الأوراق..
تبا..
هل كان من اخترع الورق ليعلم إلى أي مصير سيؤول اختراعه ذلك..
ورقة حقيرة مصفرة ممهورة بتوقيعات وأختام لا حصر لها..
وصورة ملونة..يبتسم فيها أبله ما..
ربما لو لم يخترعه من الأساس..لما كانت هناك بيروقراطية أصلا..
لكن لا..
كنا نحن لنتغلب على هذا الأمر..
وكنا نفذنا الأوامر..ونقشنا أسماءنا  بالحضور على كشوف حجرية رقيقة..ستكون طبعا عهدة..!!
ربما هو الستر..
ربما هو رحمة الله ببهائمه التي تعيش..وتتعايش على أرض هذا الكوكب..
ربما..
وربما حين يحيق غضب الله بنا..
ربما حين يحيط بنا الوباء..ويقضى على كل صور الحياة البشرية..
ربما حين يستيقظ أحد ما..كان مجمدا في معمل مظلم..أو حين تصل الكائنات الفضائية أخيرا لكوكب الأرض..
تسقط في أيديهم هذه الورقة..
وربما يكون الدبوس الذي يثبت الصورة إليها..
تلك التي أرسم فيها الابتسامة على وجهي بحماس..
لم يكن قد بلي بعد..
وحينها.
قد يدركون الحقيقة خلف ابتسامة مريرة كتلك..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8