التكليف..الإدارة..7

  مشتول السوق..
في الطريق إلى وحدة "المنير"..
21 – 4 – 20019  -  11:00 صباحا..
بعد انتهاء مقابلتي مع مدير الإدارة لم أفهم جديا مالذي حدث..
تحول الرجل فجأة لشخص آخر..غير ذلك الذي كان يعدني بالجنة ونعيمها..
قال لي في صرامة: كفاية دلع بقى يادكتور..انت اتدلعت كتير..وجه وقت الشغل..
ثم أردف قائلا: هتروح وحدة "المُنيَّر".."بضم الميم وتشديد الياء..وإن كان أهلها ينطقونها بكسر الميم أيضا"..وحدة جديدة ونضيفة..وهاتدلع هناك برضه..!
لم أفهم الحقيقة أي أنواع الدلع تلك التي يتمنن بها علي..
لم أطلبها..ولم أنلها أصلا..
يبدو أن هناك مفهوما آخر للمعاملة هنا..
خرجت من الإدارة..وبشكل أعجز عن فهمه مرة أخرى..قررت أن أذهب لهذه الوحدة..
ربما أجد سبيلا للفهم هناك..
*-*-*
بلدة أخرى من تلك البلدان التي تحركت على طريق شبه الحداثة-العشوائية..
عبرت من كونها عزبة إلى قرية ولم تصل بعد إلى مفهوم البلدة..
لن أجد بها مطعما..وإن كنت ساجد بها محلا لبيع الطعام الجاهز البسيط..فول وطعمية وباذنجان مخلل..
بالتأكيد لن أجد فيها فرعا من فروع حاتي "محل كباب وكفتة" مثلا..أو مطعما للأسماك..ربما مخبزا للخبز البلدي..وآخر للافرنجي..وقس على هذا..
قرية "المنير"..بضم الميم أو كسرها..
وتشديد الياء في الحالتين..
أنا آت إليك أينما كنت..
*-*-*
وبشكل أيضا أعجز عن فهمه..قررت أن أذهب بسيارتي..
طوال الطريق إلى هناك..كنت أسأل عن كيفية الذهاب..
خطوة خطوة..
كنت أسال هل هي بعيدة..فيقولون لي لا..أبدا..هناك أهه..
"هناك أهه" هذه أخذت مني مايقرب من خمس وأربعين دقيقة أخرى للوصول..مع حساب التوقف عدة مرات للتأكد من الاتجاه..
هناك كانت ترعة كبيرة على يساري..لوحات ارشادية على الطريق تنبيء أن هناك بضعة كيلومترات أخرى حتى الوصول للقاهرة.."..وطريق مزدوج للسير..ينبيء بأيام عظيمة قادمة..وحوادث لاتنتهي..
"فيما بعد..سأعرف أن هذه الوحدة هي الأخيرة على هذا الطريق..في محافظة الشرقية..ثم ندخل في نطاق محافظة القليوبية..طريق مستطرد كما سيقولون لي حين أسافر عليه لاحقا"
تتعدد القرى الصغيرة..والعزب والنجوع والكفور..بينما يتهادى نهر النيل في ترعة الاسماعيلية العظيمة بجواري..
أستمر أنا في السير..
أقول لأي من يأتي بجواري:
-أين قرية "المنير" لو سمحت..
يرد بعد تصحيح الاسم:
-"المنير"..زي مانت ماشي كده..هاتلاقيها هناك أهه..
*-*-*
هناك..وبعد رحلة طويلة سقيمة..أجد نفسي في مدخل منخفض..محطة بنزين..أقرب للفقر..لن أجد فيها وحدة غسيل آلية..
ومدرسة ابتدائية ما..لن يتخرج منها العقاد بأي حال من الأحوال..
أدخل في حواري ضيقة..بائسة..
أطفال مشردون أقرب لأطفال الثمانينيات..حيث الركض عراة النصف السفلي أو العلوي..وألعاب بدائية بسيطة..
منازل مبنية بالطوب الأحمر..وأخرى أقرب للطوب اللبن..تهادن الزمن كيلا تسقط..
سيدات بيوت يجلسن أمام بيوتهن..قطعان من الدواجن..البط..الدجاج..الأوز..ينقرن هنا وهناك بحثا عن طعام..
أكوام من نفايات مجمعة..
-الوحدة الصحية فين ياحاج والنبي..؟
-هتمشي كده..وبعدين تمشي كده..وبعدين تمشي هناك كده..وتعدي الكوبري ده كده..وبعدين ......إلخ..
حسنا..
بعد الكثير من الـ"كده"..والـ "كدهو"..والـ "كدهون"..
أصل أخيرا..لمبنى محاط بأسوار عالية نسبيا..مبني حديثا..على نسق معظم وحدات طب الأسرة..من دورين..
مدخل لطيف..مرصوف..لايليق بما يحيطه من شوارع ضيقة لزجة..وبالكابلات الضخمة التي ترقد بجواره..
مبنى لطيف..ولكنه مغلق..!!
وقفت قليلا أتامل البوابة..إلى أن مر أمامي واحدا من إياهم..
من هم..؟ أولاد الحلال طبعا..!َ!
أخبرني الرجل الخبر المدوي: هذه هي الوحدة..لكنها لم تعمل بعد..
وقبل أن أستطرد في خواطري..أشار الرجل إلى جهة ما..وقال ان الوحدة تم نقلها إلى مبنى أخر..
لحين هدم وإعادة بناء الوحدة القديمة..

اللعنة..
اللعنة..
هل كتب علي أن أظل أحيا في ظل هذا الغباء..؟!
حسنا ياصديقي..
لنذهب..إلى حيث الوحدة اللعينة..!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8