التكليف..الإدارة..4

مشتول السوق..
مكتب الصحة..
8 –  4 –  2009  - 12:00 ظهرا..
لم يأت السيد فلان..
أصبح المكتب شبه خاو..إلا من ممرضة ممتلئة أو اثنتين..
تتحدثان فيما بينهما..بينما تعبث واحدة منهما في ميزان الأطفال الموضوع أمامها..
لم يدلف طوال اليوم إلى هذا المكان سوى بعض السيدات مصطحبات بعض الأطفال..
فهمت أن أغلب العاملين في المكان..تمريض..وما يدعونهن بـ "رائدات ريفيات"..كلهن مشاركات في الحملة..
فهمت أنهن يخرجن حاملات الطعوم في الحاويات العازلة المخصصة لذلك..
يدرن في شوارع المدينة..وفق الخريطة المعلقة بالإدارة الصحية..ويعطينها للأطفال..
لا أدري إن كان معهم طبيب أم لا..
أنا لم أسأل بالمناسبة عن أي أطباء يعملون هنا..
لا أدري لماذا..
جلست مستكينا صامتا..
وفي أثناء جلستي..أتى ذلك الطبيب الذي كان يجلس في مكتب مدير الإدارة..
قام بالسلام علي..ثم جلس بجواري..
سألني بلهجة عابرة عن دفعتي..وتاريخ التخرج..
ومرة أخرى السؤال الذي لم أفهمه: إيه اللي جابك من الزقازيق لهنا..؟!
طبعا رددت عليه ردود متحفظة مهذبة..
طبيعتي الشخصية تمنعني من التباسط مع شخص مجهول..أو شخص مألوف حتى..إلا بصعوبة بالغة..

لمح الرجل في جلسته تلك الكتاب الذي كنت أقرأ فيه..
في ذلك الزمن من براءتي الأولى..كنت أحمل كتاب في الطب النفسي..
"BLUEPRINT PSYCHIATRY”..

أقرأ بنهم في أشياء لم أقرأ ولم أسمع عنها قبلا..
سألني الرجل عن الكتاب بفضول..
فشرحت له عن أملي في التخصص بالطب النفسي..
لا أدري..شيئا ما ظهر على وجه الرجل..
وجوم..؟! ربما يكون هذا هو التعبير الأقرب..
في المعتاد..عندما أتحدث عن رغبتي بالتخصص في هذا المجال..
يرمقني من أمامي بدهشة..بذهول..بعدم تصديق..
كأنما يرمقون حيوانا نادرا..!!
لكن هذا التعبير لم أفهمه حقا..
عامة..لم يطل هذا كثيرا..
قام الرجل..ومضى لحال سبيله..
*-*-*

يبدو أن جلستي هذه قد طالت..مثل الضيف الثقيل الذي لم يعد يرغب أحد بوجوده..
أو أن جلستي هذه أثارت شفقتهن..
فأتت إلي إحداهن وقالت: يادكتور..الظاهر إن أ.فلان مش هييجي النهاردة..
ممكن تيجي ليه بكره..يكون موجود..
صادف هذه –كالعادة- هوى في نفسي..
لو قالت لي تعال الأسبوع القادم..أو الشهر القادم..أو السنة القادمة حتى..
كنت لقبلت..
هكذا..مع ابتسامة لطيفة..
ألقيت السلام..
ومضيت..
يوم آخر يمضي ياصديقي من حياتي بلا أي مبرر..
وبلا أي حساب..