أطباء بلا حقوق..2 (ج7)

الأحد: 20 – 6 – 2010

كان يوما عاصفا..
لم تكن بدايته إلا مقدمة بنهاية كتلك..
*-*-*
اجتماع جديد لأطباء بلا حقوق..
بعد رسالة نصية قصيرة..واتصال آخر من د.منى للدعوة للاجتماع..
الحق أنني كنت سعيدا بعض الشيء..لا..الحقيقة أنني كنت سعيدا جدا..
سعيد بالاتصال..وسعيد بتوجيه الدعوة لي..
أنا واحد منهم أخيرا..شعور الألفة هذا لا يقارن بأي شعور آخر..ويرفع عني الثقل الكبير بالحساسية المفرطة..
كذلك خلال ثلاثة أو أربعة أشهر تقريبا..أنت هنا على قدم المساواة مع من سبقك بكثير..
وهو أمر يدل على –مرة أخرى- على حكمة بالغة أو سذاجة بالغة لو أردت رأيي..
أنا تعاملت بجدية وإخلاص وحماس منذ البداية..لذلك كان الأمر متوقعا أن أكون جزءا من هذه المجموعة..لذلك كنت أراهن على أن أتلقى المثل منهم..
لكن بهذه السرعة..!!
لا بأس..أعتقد أن ليوم الثلاثاء الشهير أمام مجلس الشعب يد كبير في توطيد هذه العلاقة..
في ذلك اليوم..تلقيت البادج الخاص بمجموعة أطباء بلا حقوق..
الشارة المعدنية التي رسم فيها بالأحمر هلال متقطع مع كلمة "أطباء بلا حقوق"..كنت سعيدا بهذه الشارة جدا..كانت تعني لي الانتماء لشيء أتحمس له..
"فيما بعد..بعد هذا التاريخ بسنتين تقريبا..في 2012..سأفقد هذه الشارة في مسيرة احتجاجية لشيء ما لم أعد أذكره الآن..مسيرة انطلقت من مستشفى الدمرداش وحتى التحرير.."
اليوم أشعر بشيء من هذا القبيل..
يبدو أنني وضعت قدمي على بداية الطريق..
*-*-*
موضوع الاجتماع كان غريبا..
فكرة نبتت في رأس أحد الزملاء..د.أحمد حسين..تتلخص في إقامة دعوى قضائية وإرسال إنذار لمجلس النقابة -الذي تسيطر عليه جماعة الإخوان ويرأسه النقيب المحسوب على الحزب الوطني د.حمدي السيد- ويتضمن الإنذار تهديد تنفيذ قرارات الجمعية العمومية بتنفيذ الإضراب الذي تم التصويت عليه سابقا..وتم حذفه بمعرفة المجلس بعد الجمعية مباشرة..وإلا سيتم طلب فرض الحراسة على النقابة..
فرض الحراسة على النقابة –أي نقابة أو جمعية أهلية مثلا- يتضمن قرارا من قبل رئيس محكمة تقع في نطاقها النقابة أو الجهة المعنية بأن يعين حارسا قضائيا بمعرفة القاضي، بعد إثبات مخالفات خطيرة تتعلق بمجلس الإدارة الذي يشرف على نشاط هذه النقابة أو تلك الجمعية..ويقوم الحارس القضائي باستلام كافة المقرات الخاصة بالنقابة والحسابات البنكية والدفاتر والعهد إلخ..لحين إجراء انتخابات جديدة وتسلم مجلس إدارة جديد للنقابة..وبدء جمعية عمومية لجميع أعضاء النقابة..
جميل..هذا شيء جميل..
لكن تعال لنسمع الحقيقة المريرة..
في ظل الأوضاع الحالية للدولة..وسيطرة الحزب الوطني الحاكم ولجوئه دوما لتمرير قوانين سيئة السمعة تهدف دوما بتخريب أي عمل جماعي وإحكام السيطرة الأمنية على كافة المؤسسات التي قد تصبح مصدرا للتجركات الجماعية بهدف الإصلاح..فقد تم صياغة قانون رقم 100 لأحوال النقابات..الذي تسبب في تجميد الانتخابات بالنقابة حتى هذا اليوم منذ العام 1993..
يبدأ الأمر بهذه الصورة دوما..فساد إداري أو مالي أو كليهما..يتجه بعض أعضاء النقابة أو الجمعية إلى القضاء..بحسن نية..أو ربما بتزيين من بعض الجهات..والذي يفتح لهم الباب واسعا بابتسامة الذئاب..ويفصل في القضية بأسرع ما يكون..وليتم تعيين حارس قضائي تابع للدولة..يأتمر بأمرها..لا بأمر أعضاء النقابة الأصليين..ويتحكم في مقدراتهم..ويأخذ نصيبه كاملا ومكملا من أموالهم..ومن قام برفع قضية الحراسة يعض على أنامله من الغيظ لأنه لن يطول أيا مما كان يصبو إليه من الإصلاح المزمع ذاك..
لعبة شريرة تلعبها وتديرها أجهزة أمنية –غالبا- ببراعة منقطعة النظير..
لم أكن أعلم شيئا عن هذا بأي حال..لكنه الشرح المستفيض الذي أعدته د.منى بمعاونة محام حقوقي لم أعد أذكر اسمه..والسيدة كريمة الحفناوي من نقابة الصيادلة..كما استعات الدكتورة منى لتوضيح وجهة نظرها بتجربة سابقة من نقابة المهندسين عبر مهندسة وناشطة نقابية السيدة إيمان-  التي كانت ولا زالت حتى الآت تحت الحراسة القضائية..بسبب مسألة كهذه..
كنت معجبا بهذه السيدة أيما إعجاب..
التنسيق والتحضير المنظم والمنمق وسرد التجارب السابقة وإجراء مقارنات واقعية..في مقابل فكرة طرأت فجأة في ذهن الزميل د.أحمد حسين..وسانده فيه فقط اثنين: د.حسام كمال..ود.شيماء مسلم..
من وجهة نظرهم أن هذه ستكون ضربة قوية لمواجهة فساد وتعنت وتحكم المجلس الحالي..حل منطقي..لكنه أشبه بهدم المعبد فوق رؤوس الجميع: علي وعلى أعدائي..
فالحماقة أن تتصور أن الدولة بأذرعتها المختلفة: أجهزتها الأمنية وقضائها المسيس ستجذب النقابة من قبضة هؤلاء لتعطيها إليك..
الحقيقة أن النقابة العامة للأطباء ومن بعدها اتحاد الأطباء العرب كانت مرتعا خصبا لجماعة الإخوان المسلمين..يسيطرون عليها وعلى النقابات الفرعية بشكل شبه تام..المجلس والأمانة العامة والوكالة في قبضتهم..بينما النقيب من نصيب الحكومة..
تنظيم الإخوان يستخدم النقابة كساحة خلفية –وأحيانا أمامية- لتصدير أنشطته وتدبيرها ودفعها في سبيل كبديل للسياسة الخانقة التي تمارسها الدولة معهم..
أحيانا يسمح النظام بهذا..وأحيانا يتلاعب بهم..
المفترض أن النقابات غير سياسية بالمعنى المعروف..المفترض أنها ساحات خالية من السياسة كمؤسسات الدولة العامة ودور العبادة..لكن من قال أن السياسيين أنفسهم سيقومون بتطبيق هذا الكلام..؟
لذلك ستظل النقابة ساحة للشد والجذب بين الفصيلين..الدولة والإخوان..فتتفسخ مصالح الأطباء بين الاثنين بشدة..
لم يكن طبعا توقع لأي الكفتين ستميل الآراء..
لم ينضم للثلاثة من بين الحاضرين أحد آخر..بينما انسحب الباقون جميعهم ضد القرار..
والحقيقة أنني كنت أرى الأمر مجردا..نوع من اليأس..ورغبة في الانتقام..وإنزال العقاب بالجميع..وهذا يخلو من أي منطق..
ويقترب –ربما- من الحماقة..
أن تشعل النار في منزلك لتطرد اللصوص..وستخرج أنت بالضرورة معهم..لكن ربما هم سيعودون..وتظل أنت بالخارج للأبد..لأنه كما قلت لك يا صديقي..المصالح والتلاعب بالجميع سيكون هذا سمة الصراع هنا..
ستهدي أنت للفصيلين المتصارعين النقابة على طبق من ذهب..
*-*-*
 يومها وصلت مبكرا..
في الثالثة مساء..قبل موعد الاجتماع بساعة تقريبا..
لم يكن هناك غير د.شيماء ود.حسام..
دارت بعض الحوارات البسيطة..أتذكر أنني قلت أن فكرة كهذه ستؤثر بشكل جذري على جموع الأطباء..لذلك التصويت على فكرة كهذه لايكون أبدا إلى من خلال تصويت بالإجماع..مما استدعى السؤال الأكثر منطقية: من له حق التصويت إذن..؟
ظللنا هكذا لبعض الوقت..حتى وصل باقي المجموعة..د.منى ود.أحمد بكر والرفاق الاخرين..
بدأت المناقشات..أحيانا كانت حدة النقاشات تعلو..ردود وأحاديث..تدور كلها حول ذات الفكرة التي شرحتها سابقا..
لكن كان من الواضح بشدة اهتزاز المنطق الذي يتحدث به الرفاق..
وعدم تكوين فكرة جدية عما سيتلو ذلك من قرارات..فقط الانفعال..فقط الرغبة في الانتقام..
وهذا هو الحمق بنفسه يا صديقي..
*-*-*
في النهاية..صمم الثلاثة على موقفهم..
د.أحمد حسين كان مندفعا بشدة ومصمما على رأيه بعصبية بالغة..د.حسام كان حانقا..
أتذكر موقفا عجيبا من د.شيماء التي تعجبت من موقف لا ديموقراطي من قبل المجموعة..ضد هذا القرار..
الحقيقة كنت أستغرب هذا الكلام بشدة..أي موقف لا ديموقراطي هنا..؟
عرضت الفكرة..عرضت اللآراء المؤيدة والمضادة..واتخذ القرار بالرفض من قبل الأغلبية الكاسحة.."الحاضرين كانوا يتجاوزون العشرين فردا..غير الآخرين ممن لم يتمكنوا من الحضور.."
في النهاية..ومع انفلات الأعصاب..انسحب الثلاثة من الاجتماع..وانسحبوا من المجموعة ذاتها..
كان هذا شيئا مؤسفا حقا..
لكنه قرار..
ومن المفترض أن كل منا سيتحمل قراراته لحد النهاية..
*-*-*
كانت الساعة قد قاربت الثامنة مساء..حين انتهى الاجتماع أخيرا بعد حلول الظلام..
مازال الجو عاصفا..يعصف برياح ساخنة..ويحمل الغبار الرقيق في ثناياه..
يجعل الرؤية ضبابية بشكل ما..
جو مناسب للغاية لهذا الحدث اليوم..
أمضي وحيدا..
كما جئت وحيدا..
أفكر فيما حدث اليوم..وفيما سيحدث لاحقا..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قسم الجراحة - حوادث 3

مستشفى العباسية..العيادات الخارجية..17

مستشفى الأطفال..8