قسم الباطنة العامة - عناية القلب 4

9 - 5 - 2008 – 10:55 صباحا..

اليوم هو قبل الأخير لي هنا في هذه العناية..

ربما حان الوقت لأتحدث عن بعض المآسي التي لايراها المرؤ تتكرر كثيرا في حياته..

أو ربما تتكرر..!

فكثير من الأمور تظل بلا تغيير..

-*-*-

هناك جهاز التنفس الاصطناعي..

يوجد هنا جهازان..أحدهما – في الحقيقة – لايعمل..

عندما دخلت العناية هنا, كان يوجد مريض موضوعا على أحد الجهازين..

جيد..

لا..ليس جيدا على الاطلاق..!

فهذا الجهاز – الذي يعمل – ليس سليما بدوره..يوجد تسريب للأوكسيجين من أحد الوصلات..

هذا التسريب مستمر من فترة طويلة..حتى انتبه إليه الطبيب..

قام بطلب الصيانة..وأثناء ذلك كان يقوم بتثبيت الوصلة بيده..

جاء فني الصيانة بعد نصف ساعة تقريبا..وقام بتغيير الوصلة..

لا أعرف ماهي حالة الرجل الآن..ولا أريد أن أعرف..

ليشمله الله برحمته..

-*-*-

أول التعليمات التي يتلقاها مريض القلب, هي أن يظل في وضعية نصف جالس - نصف راقد, حتى لا يشعر بضيق في التنفس..

اللطيف هنا أن معظم الأسرة مسطحة تماما..وبوسادات منخفضة..

ومع ذلك ينام معظم المرضى – أو يحاولون - بشكل طبيعي..

وهذا شي يتحدى الحقائق العلمية بكل تأكيد..

-*-*-

كانت هناك مريضة..

كل من يمر عليها, يرففع حاجبيه في دهشة، ويتساءل..هل مازالت على قيد الحياة..؟

السيدة الطاعنة في السن..التي ترقدوقد تقلص وجهها..وأغمضت عينيها في ما يشبه النوم..

تشخيصها هو " اشتباه " جلطة رئوية..لكن للتأكد, لابد من إجراء آشعة مقطعية حلزونية لمنطقة الصدر, لنرى حالة الشريان الرئوي..

لكن هذه آشعة مكلفة بجنون..وهنا إشكالية العلاج المجاني المزعوم..وتأرجح مقولة الصحة للجميع بين الشعارات والواقع..

هذه السيدة حسبما سمعت..تركها أهلها لتواجه مصيرها..ليس معها مايكفي لاجراء مثل هذه الفحوص..ولذلك فهي تقبع هنا بانتظار تبرع ما..

بانتظار ما سيأتي..

وليس لها إلا المقومة..

-*-*-

كنت قد جئت اليوم وبداخلي رغبة في الاطمئنان على المريض الذي يشبه أبي رحمه الله..

لم أجده..ورأيت مكانه مريض آخر..

شعرت بانقباض..سألت عنه, وأنا أتوقع الصدمة التالية..

لكني فوجئت بخروجه من العناية..

كيف..لقد كانت حالته بالغة السوء..فكيف إذن..؟

ربما أدرك أهله حقيقة ما يحدث هنا..

له الله..

فهو أرحم الكل بعباده..

-*-*-

تكفي هذه المآسي..

لم تنته بعد..ولن تنتهي..

الآن أفهم تماما معنى كلمات أبي..الأخيرة..

أريد أن أموت وأستريح..

أموت وأستريح..

كم كانت كلمات صادقة..