حياة طبيب

الأحد: 28 يونيو 2010: حضرت اليوم ندوة في النقابة.. كانت عن محاسبة الأطباء في المناصب القيادية الذين ينسون أو يتناسون- أنهم أطباء..ويقومون بالتعسف الإداري نحو زملائهم الأطباء..والرد على ذلك بوجوب معرفة الأطباء حقوقهم القانونية لمواجهة هؤلاء.. الندوة كانت في قاعة جانبية صغيرة..مكيفة لدرجة البرودة القارسة..وهناك مائدة على شكل حرف U  الإنجليزي..بين الضلعين توجد نباتات في أصص صغيرة..وقاعدة المائدة يجلس إليها القائمون على الندوة..هناك كانت د.منى..د.أحمد بكر..د.رشوان..وزميلة لنا ذات خبرة قانونية نوعا ما..د.هبة..وبعض الزملاء الآخرين.. هناك شتائم مستترة وغضب مكبوت واقتراحات عصية على التنفيذ.. كنت مستمتعا بالمناقشة اللطيفة.. حين دخل د.عبد المنعم أبو الفتوح.. هو بشخصه..الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب.. وهو أحد كوادر الإخوان المسلمين الأكثر انفتاحا..والأكثر احتراما..عضو مكتب الإرشاد سابقا..وهو ذلك الطالب الذي وقف أمام السادات.. كانت جلستي قريبا منه..فجلست أتأمله.. يختلف قليلا عن صورته على الشاشة..أكثر امتلاءً..وأكثر طولاً..وصوته رخيما أكثر.. (الجماعة تختار من يمثلها جيدا يا صديق

الخميس: 24 يونيو 2010 : هل من الممكن أن تكون هذه بداية فعلية للطريق الثاني من الطرق الثلاثة التي قررت سابقا أن أمضي فيها..؟ الطرق الثلاثة يا صديقي هي الطب..والأدب..والسياسة.. فربما..ربما تكون هذه بدايات حقيقة لطريق السياسة..وهو يتماس بشدة مع طريق النقابة الذي بدأته فعلا..أحيانا يعتبر الاثنان واحدا..لكن هناك دوما تلك الشعرة الرقيقة بينهما.. لذا..من الخطر المشي في هذا الطريق دون الانتباه للخطوات جيدا.. النقابة أنشئت لأجل تقديم الخدمات لأعضائها..بمقابل بسيط..وتسهيل بعض أمور الحياة..رحلات ترفيهية..أو رحلات عمرة وحج..المعاش..وصناديق الاستثمار.. (خطأ..في هذه المرحلة وبالرغم من انضمامي لأطباء بلا حقوق كانت المفاهيم لدي منقوصة للغاية..هذا جزء من دور النقابة..وهناك جزئين آخرين لا يقلان أهمية..المطالبة بحقوق الأعضاء لدى الدولة..والدفاع عنها..وكذلك التدخل في كل ما يخص السياسات الصحية ويؤثر على المهنة..) بينما السياسة هي ممارسة حق التعبير للوصول للأفضل..حياة أفضل..ومستوى معيشة أفضل.. (أيضا مفهوم قاصر للغاية..سيتضح لي فيما بعد مدى سذاجته..) لكن في حقيقة الأمر..تتقاطع النقابة مع السي

القاهرة.. مستشفى العباسية..قسم الاستقبال.. الجمعة: 15 أكتوبر 2010  -  9:30 مساءً.. نوبتجية جديدة.. لكن هذه المرة في الاستقبال.. *-*-* كنت قرأت اللافتة على ذلك المبنى الصغير..الشبيه بفيلا في تصميمه الداخلي.. (الاستقبال).. لكني لم أجرؤ يوما على الدخول برغم كل الفضول الذي يتملكني لمعرفة ما ورائه.. الأمر لدينا في المستشفى معكوس قليلا.. الاستقبال مخصص لحالات الطواريء..لكني حسبما رأيت فكل المرضى تمر على العيادات أولا.. لماذا..؟ لا أدري.. ربما كان الأمر لا يعدو شكلا تنظيميا ما.. لا بأس.. سأبيت هذه الليلة هنا..وسنفهم أشياء كثيرة.. *-*-* أصل للمبنى..بوابته منخفضة بعض الشيء..ولون الجدران الأخضر الفاتح الغريب يعكس نورا خافتا للمصباح المعلق في المدخل.. كانت الساعة الثامنة إلا بضع دقائق..عندما وصلت.. الباب مغلق..لكن هذا أمر معتاد..غالبا يغلق التمريض الباب في أوقات النوبتجية.. طرقت الباب لكن لا مجيب.. أطرق الباب عد مرات لكن لا أحد هناك.. بدأت أشعر ببعض السخافة..ما هذه النوبتجية العجيبة..؟ خرجت لأفراد الأمن الواقفين عند البوابة الخارجية للمستشفى..سألتهم عن الممرض في الاس

القاهرة.. مستشفى العباسية النفسية..وحدة الطب الشرعي.. الخميس: 14 أكتوبر 2010  -  بعد منتصف الليل بقليل.. غرفة نظيفة.. هناك مكيف للهواء..وهناك مروحتين على الجدار.. إضاءة ممتازة.. وهدوء تام.. الليلة هنا مثالية للغاية يا صديقي.. *-*-* أوراقي..وكتابين اثنين لتمضية الوقت.. ربما لو كان هناك كمبيوتر محمول صغير لبات الأمر أفضل.. لكن لا بأس..لنقرأ قليلا..ونكتب كثيرا.. هذه أشياء محببة للنفس.. *-*-* أرقد على السرير..وأنظر للسقف المرتفع كالعادة.. هذا يبدو مبنى قديما..لكن تم تجديده.. حين دخولي المكان لمحت المبنى وألقيت نظرة سريعة.. هو على شكل حرف (U) الإنجليزي.. بين ضلعيه الداخليين مساحة متوسطة..وهناك سقف يمتد بين هذه الأضلع لمسافة عدة أمتار.. المبنى من الطوب الأحمر الإنجليزي القديم..بدون عواميد أو خرسانة.. هناك من قام بطلاءه وتجديده بالكامل..لا بد أن المبنى كان له شكل آخر في وقت ما.. أنا الآن في أحد الأضلع المواجهة للبوابة مباشرة.. هذا قسم منفصل..للسيدات..أخبروني أن هناك قسمين آخرين للرجال.. أفكر..أفكر..أقرأ..أكتب قليلا..أخرج من الباب لأنظر حولي بعض الشيء..أعود للغرفة

القاهرة.. مستشفى العباسية..وحدة الطب الشرعي.. الخميس: 14 أكتوبر 2010  -  9:30 مساءً.. أهلا بك يا صديقي في وحدة الطب الشرعي بمستشفى العباسية.. هذا سجن صغير يليق بك.. *-*-* عدت للمستشفى من تلك الشقة المستأجرة..لحضور النوبتجية اليوم.. ألم أخبرك أن لدي شقة صغيرة..؟ لا بأس..سأحكي عنها في قصة منفصلة..لكن دعنا اليوم نتحدث عن نوبتجية سعيدة في الطب الشرعي.. *-*-* أمشي في الشارع الطويل..بين سورين متوسطي الارتفاع.. هناك بضع شجرات عملاقة تتناثر على الجانب الأيمن..ورصيف ممتد على الجانب الأيسر.. خلف السور على الجانب الأيمن قد تستطيع أن ترى أطراف أشجار كبيرة تطل فروعها من فوقك..لكنك لا ترى الجذوع..هذه الحديقة تراها على الطريق من فوق أسوار حديدة..يبدو أنها كانت تتبع المستشفى حتى تم فصلها في وقت ما.. خلف السور على الجانب الأيسر..توجد أقسام وحدة السيدات المطورة.. متى بنيت هذه الأسوار..؟ سأقابل أحد يوما ما وأسأله.. وسأعرف الإجابة.. *-*-* كان هناك من قابلني في الطريق..عند المباني الجديدة..وأنا أبحث عن النائب الإداري لهذه الليلة.. في السكن..قالوا لي في السكن.. لذا..كنت متجها لهنا

القاهرة.. الجمعية المصرية للطب النفسي.. الخميس: 10 أكتوبر 2016  -  1:00 ظهرا.. أخيرا اهتديت للمكان.. أمر على هذا المكان في طريقي ذهابا وإيابا..ولم أكن أدركه.. أقف أتأمل اللافتة المعلقة في الدور العاشر.. الجمعية المصرية للطب النفسي.. أخيرا..!! *-*-* منذ عدة أيام رأيت الإعلان المعلق عند دفتر الحضور والانصراف.. إعلان عن محاضرات نصف شهرية..ليومين متتالين..لثلاثة أشهر..تتضمن موضوعات الطب النفسي بأكملها.. شيء في منتهى الروعة.. أنا وجدت ما كنت أبحث عنه منذ زمن..محاضرات دورية..ومستمرة..وموضوعات الطب النفسي كلها.. هل تتخيل الأمر..؟ لم لايكون ذلك بالمستشفى..؟ لم لم يكن جزءا من التدريب الخاص بنا..؟ لا بأس..هذه المحاضرات ستكون طريقا أمثل في هذه الفترة من حياتي.. *-*-* سألت عن مقر الجمعية قبل موعد المحاضرة في الأسبوع الأول.. لم يكن أحد يعرف أين هي على وجه التحديد.. بحثت عليها في الانترنت..موقعها لا يتضمن الكثير من المعلومات..مجرد صفحة بدائية لا تعطي أي معلومات سوى اجتماع في مقر النقابة العامة للأطباء في القصر العيني.. لسبب ما فهمت أن المحاضرات ستكون في مقر الجمعية في النق

القاهرة.. مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة.. السبت: 9 أكتوبر 2010  -  في وقت مبكر من صباح اليوم.. يخبرني صديقي في الهاتف أن هناك من قام بالشطب على اسمي في دفتر الحضور.. لا بأس.. الآن أستطيع النوم بضمير هانيء.. *-*-* دعني أشرح لك أن هناك نوعين من طرق التفكير في رأسي.. طريقة التفكير الخاصة بالطبيب..وهي الحضور للقسم ومتابعة المرضى ووصف العلاج والإبداع عن المألوف هنا.. والطريقة الخاصة بالموظف..حضور وانصراف وتوقيع وإجازات وغيابات وأوراق.. التوقيع بالحضور والانصراف لا يحدد أبدا التزامك بالعمل.. مرة إثر مرة..أعود لأذكر نفسي أنني طبيب.. لكي لا أنسى.. لكي أتذكر دوما أنني من اخترت وجودي هنا..اخترت التخصص..واخترت المستشفى.. ولكي أقاوم فكرة طبيب الوحدة الصحية الموظف.. *-*-* ربما نجد مبررات قديمة..السفر المرهق..عدم توفر سكن بالأطباء حاليا..العمل الروتيني بالقسم..أوراق..أوراق..أوراق.. لا أجد من أتعلم منه شيئا جديدا.. لكن حتى لا ألعب دور الضحية البائسة..فهذا هو ما أتقاضى عليه مرتبي حاليا.. ودوما هناك صفقات الخمس وعشرين جنيها البائسة.. لا بأس.. لنعد للنوم.. لا شيء أفض

القاهرة.. مستشفى العباسية..وحدة السيدات المطورة.. السبت: 2 أكتوبر 2010  -  11:00 صباحا.. ولم يحدث شيء.. لم يتم تعليق المشانق..ولم ينتظرني مبعوثو الجحيم على بوابات المستشفى.. لم يكن هناك جلاد عند دفتر الحضور والانصراف.. ولم تكن هناك شياطين حمراء تتراقص فوق باب القسم.. تلك تركتها هناك عند الوحدة الصحية القديمة.. *-*-* كالمعتاد..أو أقل منه.. أجلس إلى مكتبي..أمارس الأعمال اليومية.. لمد يحدث أي شيء جديد..لم يحدث أي شيء لعين.. كل شيء هاديء تماما.. *-*-* وربما هذه رحمة من الله..

الزقايق.. المنزل.. الخميس: 30 سبتمبر 2010 – بعد منتصف الليل.. كان من المفترض أن يكون العنوان كالتالي: "القاهرة – م.العباسية..وحدة الطب الشرعي..بعد منتصف الليل.." وحدة الطب الشرعي..؟ أقد أخبرتك سابقا أنني اكتشفت اسمي في جدول النوباتجيات مؤخرا..؟ في جدول نوباتجيات شهر سبتمبر 2010..اكتشفت ذلك في نهاية الشهر بالصدفة البحتة..!! هل أخبرتك ذلك..؟ لا..؟ ليكن..لا يهم.. *-*-* المفترض أن أكون "هناك"..لكن بدلا عن ذلك أنا "هنا".. حين أخبرني زميلي بالمستشفى في بداية الشهر أن اسمي قد يكون في الجدول..ويجب أن أتأكد من ذلك لأن اسمه قد ورد سابقا.. مالذي ذكرهم بي..؟ لم اسمي ورد هذه الأيام دونا عن الأيام السابقة..؟ فكرت أن ذلك قد يعود إلى أن القائمين على الأمر قد يعطونا الفرصة لبعض الخبرة التي تتراكم هنا..قبل أن نأخذ تلك النوباتجيات.. لكن المشكلة ما هي هذه الخبرة أصلا..؟ تعلمت أشياء محدودة جدا في هذه الفترة..والحقيقة أن الأمر يعود معظمه إلى بعض الوقت الذي قضيته في مستشفى خاصة..والتي أيضا لم تسمح بالكثير..حيث كنت محكوما في النهاية بتدخل الاستشاري صاحب الحالة