مستشف العباسية..العيادات الخارجية..3

مستشفى العباسية..
العيادات الخارجية..
21 – 3 – 2010  -  12:30..
حين دخلت من الباب صباحا..كان كل شيء يبشر بيوم عادي تماما..
سأدخل وأجلس بجوار طبيب آخر..أسمع منه وألتقط منه بعض الخبرة..وربما بعض المعلومات القيمة..
أمسك في يدي كتاب الطب النفسي الذي كنت اشتريته سابقا أيام عملي بتلك المستشفى في الزقازيق..
أسلي نفسي بالقراءة في الطريق الذي يأخذ ساعة ونصف تقريبا في الصباح..ومثلها في الرجعة للمنزل..
أحيانا يكون معي كتاب آخر..مجلة العربي الكويتية مثلا..أو رواية أخرى..
لا بأس..
ها أنذا أدخل مثل طبيب شاب وسيم في طريقه لإنقاذ البشرية المعذبة..
أنا قادم..!
*-*-*

في الطرقة الضيقة أمام غرفة حفظ الملفات..يوقفني رئيس التمريض..يسلم علي بحرارة..
ثم يقول لي سريعا أنه لا يوجد اطباء كافين لهذا اليوم..وعدد الحالات التي قطعت تذاكر الكشف في ازدياد..
لذلك سأجلس في غرفة لوحدي..
لم يعطني الرجل الفرصة لأفهم أو أستوعب..
كنت أسير أسمع الكلمات..ثم وجدت نفسي أمام المكتب..!!
للحظات..أحاول أن أستوعب الموقف مرة أخرى..
هذا وضع صعب..
بالتأكيد وضع صعب..
ثم رئيس التمريض هو الذي يخبرني بذلك..؟
لماذا..؟ أين منظومة العمل هنا..؟
أليس هناك جدولا للحضور هنا..؟
لماذا لم يستدعني مدير العيادة ويخبرني بذلك..؟
أليس من المفترض أن يكون هناك طبيب مشرف على وجودي هنا..؟!
اللعنة..!!
أي منظومة تلك التي تضع طبيبا آتيا من التكليف في غرفة كشف أمراض نفسية في مستشفى كبرى في القاهرة..
ولم يمر على استلامه العمل إلا خمسة أيام..!!
أي جنون هذا..؟!
أي جنون هذا يا صديقي..؟!
*-*-*

كنت في تلك الأيام لا زلت محتفظا ببراءتي الأولى..
قبلت الأمر واستعددت لدخول الحالات..بدون المزيد من التساؤلات..
أتذكر ذلك اليوم الذي تركني فيه الزميل الطبيب الوغد..؟
لا بأس..لم يختلف الأمر كثيرا..
ليكن..
بسم الله الرحمن الرحيم..
*-*-*

أنا أعرف نفسي جيدا..
أنا أعرف قدراتي..
أجد نفسي جيدا في التعامل..في الإصغاء للناس..ربما التعاطف معهم..
"هذا خطأ كبير..سيكلفني الكثير فيما بعد..الطبيب لا يتعاطف..الطبيب يتفهم فحسب.."
لكن الخطأ في مقدار علمي بالأدوية وبالأمراض..بحر شاسع لم أصب منه إلا أطرافه فقط..
حصان بري شارد لم أستطع ترويضه بعد..
ما زال الأمر مبكرا للغاية لأن أجد نفسي في هذا المكان..
لابد أن هذا خطأ ما سيتم تداركه..
(!!)
*-*-*

لكن في النهاية لم يكن الأمر بالصعوبة التي أتخيلها..
الكثير من التذاكر كانت تكراراً للعلاج..
بقية الأشياء المحرجة التي كنت أخشاها لم تكن مؤلمة كثيرة..
الأشياء مثل: شكوى من عرض جديد..أو طلب بتغيير مواعيد الجرعة..أو كميتها..أو شيء يتعلق بمنحى اجتماعي ما للمريض..زواج مثلا..أو ربما منحى إداري يتعلق بوثيقة للمرض..أو أهله..
كنت أتخلص من هذه الأسئلة إما بتحويلهم لمدير العيادة..او حتى سؤال الممرضة بجواري..إن كان أمرا بسيطة ولم تسارع هي لإجابته..أو الاعلان أن هذا الأمر لا يمكنني مناقشته..
فالحق أنني كنت أتهيب الفتوى في ذلك الزمن الأول..
كنت أفعل شيئا غريبا للوهلة الأولى..
كنت أكتب أسماء كل من دخلوا إلي..وأرقام ملفاتهم في ورقة خارجية..
لا أدري لم فعلت ذلك..
لا أدري لأي سبب كنت أود أن أحتفظ بأسماء هؤلاء..
ها هو رغبة أن أعود إلى هذه الأوراق يوما ما..؟
هل كنت أخشى أن أخطيء فأود أن أتراجع ولا أستطيع..؟
لا أدري يا صديقي..
لكنني فقط فعلت ذلك..