مستشفى الطواريء..13

مستشفى الطواريء..
الاستقبال..
12 - 2 – 2009   -   9:15 صباحا..
عند دخول الاستقبال في وقت مبكر من الصباح..قبل التاسعة صباحا على سبيل المثال..تكون عرضة للانزلاق وسط المياه التي تصب على الأرضيات..

المياه التي تجرف أمامها كل شيء..
دماء..قيء..محاقن..زجاجات محاليل..خراطيم بلاستيكية..وأربطة شاش..
أعقاب سجائر..ومخلفات طعام..
والكثير من القطن الملوث..
ذلك يكون –غالبا- بنية طيبة..طبعا هي التنظيف..
لكن ذلك لايؤدي في النهاية إلا إلى نشر العدوى..وتوزيعها بشكل متساوٍفي جميع الأركان..
دعك من أنك –إن لم تنزلق- فستصاب غالبا ببعض الرذاذ المنطلق عن كل هذه السيول..
لذلك ياصديق..أفضل الدخول متأخرا قليلا..
وهي فرصة رائعة في الحقيقة..لاستكمال محادثات مهمة مع الزملاء..
بجوارمكاننا المفضل..
النافورة..
*-*-*

إذن..هانحن ذا..
أدخل للاستقبال..أتوجه لمقاعد الأطباء..
لكني لمحت الطبيب النائب –الجراحة- يفعل شيئا ما في أحد الأركان..
حالة..؟!
في هذا الوقت..؟!
والطبيب النائب بنفسه يتولاها..؟!

اتجهت إليه..ألقيت السلام بود..ورافعا يدي.."هذا النائب لطيف جدا في الحقيقة ويشترك في اسم مشابه لاسمي"..
ذلك كان قبل أن تقع عيناي على المنظر المريع..
قبل أن يستقبل مخي المشهد بأكمله..ويستوعبه..
عندها..تجمدت يدي في الهواء..واختلجت عضلات وجهي من هول المنظر..
من بشاعته..
رباه..
كأنه أحد ضحايا الحرب على غزة..
حروق رهيبة التهمت معظم أجزاء جسده..لم يتبق به شيئا لم تمسه النار..إلا جزء من وجهه وعينيه..وبعض المساحات القليلة في ذراعيه وقدميه..
أنا لا أدري مالشيء الذي فعل به كل هذا..
لكنه كان واعيا..
الكارثة أنه كان واعيا..ويرتجف.."من الأم أو من البرد ربما"..
وكان عاريا تماما –لأن الطبيب يحاول أن يعالج الحروق بشكل أفضل- مما جعل صورته جديرة بأحد أفلام الرعب اللعينة..
التقت عيناي بعينيه للحظة..
فقط لحظة واحدة..

بعدها..أشحت بوجهي..
ابتعدت..محاولا تفادي تذكر الموقف ومارتبط به..
"السرير في الركن..الحروق ارهيبة..الارتجافة..المرافقين..الطبيب..الغثيان..الرعب..الدموع التي احتشدت في عيني للحظة.."
هذه هي النار ياصديقي..
هذه هي النار وماتفعله..
هي أبشع مايمكن أن تراه أبدا..
ابتعدت..وابتعدت..وابتعدت..
حتى خرجت من باب الاستقبال..
كنت أقول لنفسي..
فليرحمنا الله..
فليرحمنا الله جميعا..