قسم الأمراض النفسية والعصبية..6
قسم الأمراض النفسية والعصبية..
العيادة الخارجية..
14 – 12 - 2008 - 2:00 ظهرا..
أرى أن كثيرا من الناس يفهم الطب النفسي بشكل خاطيء..
بعض الحالات التي رأيتها اليوم تدعم وجهة النظر هذه..
والمشكلة أن الطبيب يجد نفسه في مواجهة أشياء لاقبل له بمواجهتها..
لايعرف الحل الصائب..لأنه أصلا ليس بيده..
هنا تتداخل مع عمله أشياء أخرى لاعلاقة لها بالطب العلاجي..
المشكلات الأسرية..المشكلات الاجتماعية..المشكلات الأخلاقية..
هنا يتضافر عمل الطبيب مع أشخاص آخرين..ينتمون لمؤسسات أو جمعيات خيرية أو حقوقية..تهتم لأمر هؤلاء المرضى..بغض النظر عن هويتهم الأهلية أو الحكومية..
المهم..أن عمل الطبيب يجب أن يتحد مع هؤلاء في سبيل إيجاد حلا للوضع الذي يوجد فيه هؤلاء المرضى..
وهو وضع مزري للغاية لو أردت رأيي..
لكن هذا لايحدث في الحقيقة ياصديقي..
إذا كان الأصحاء لايستطيعون حماية حقوقهم في مجتمع مثل ذلك الذي نحيا فيه..
فما بالك بهؤلاء البؤساء..
*-*-*
سها..وأماني..
حالتين منفصلتين..لكن كلتاهما تعاني من ذات المشكلة..
مشاكل أسرية معقدة..
آه..وسعاد أيضا معهم..
الحالات الثلاث تختلف في التفاصيل..لكنها تتفق بأن الحل مع الطبيب النفسي..
وهو فهم خاطيء تماما..
العلاج النفسي –في تصوري- يتضمن كل الأطراف..يجمع بينهم..يكتشف الخلل في كل منهم..
لأن المرض النفسي ينعكس بالضرورة من ممارسات خاطئة من المريض ومن حوله أيا كان..
إذن..الحل هو العلاج الشامل..لايقتصر فقط على المريض..بل يمتد إلى الجميع..وذلك لنصل لنتيجة مرضية, ومستمرة..
وهذا هو ماينبغي أن تستفيد منه هاته السيدات..
ولاشيء غير هذا..
*-*-*
الذي اعتصر قلبي فعلا..وجعلني أتماسك بصعوبة حين رأيته..هو منظر هذه السيدة المسنة..
غائبة العقل..تهذي بكلمات غير مفهومة..ثيابها مهترئة مبقعة..ويبدو أنها تعاني مرضا عضويا ما..الفشل الكلوي ربما..
أتت هذه السيدة بصحبة بعض رجال الشرطة..
هناك قيد حديدي في يدها..لاأعرف لماذا..هل هي بهذه الخطورة فعلا..أم أنها حماقة البيروقراطية..
أتت هذه السيدة لأنها مجهولة الهوية..ويراد توقيع الكشف الطبي عليها..
الحكاية أن هذه السيدة أتت بصحبة هؤلاء..لأن سيدة أخرى وجدتها في حديقة منزلها في إحدى القرى..تحتمي من الأطفال الذين كانوا يرشقونها بالحجارة..(وهو مايدلك على التربية السليمة التي يتلقاها هؤلاء الأطفال)..سلمتها هذه إلى قسم الشرطة..لأنها ظنت بحسن نية أن هذا هو دورهم..خدمة الشعب..وأنهم سيبحثون عن أهلها..بعد أن يولوها الرعاية الكاملة..
لكنها كانت –للأسف الشديد- خاطئة تماما..
هذه السيدة المسكينة –كلتاهما للحقيقة- لم تفهم بعد بيروقراطية النظام وقسوته..بهؤلاء..
هي أصبحت مجرد محضر..أوراق..مسؤولية..يجب التخلص منها بسرعة..للتفرغ لأعمال أهم..
ولو كانت الأولى تعي ذلك..ماكانت سلمتها للشرطة..وتركتها لأطفال الشوارع هؤلاء..لعلهم يكونون أرحم بها..
ولو فهمت الثانية هذه الحقيقة..لما كانت قد فقدت رشدها من الأساس..
وماذا فعلنا نحن..؟!
لاشيء..
فقط..أوراق جديدة يم التوقيع عليها..ونطلب منهم إعادة عرضها صباحا حتى يكون هناك من يفهم في "هذه الأمور"..
نحن أيضا ياصديقى نريد أن تخلص من هذه المسؤولية بدورنا..خاصة أنها فقدت قدرتها في التحكم في فضلاتها..وصارت رائحة المكان التي تجلس فيه..لاتطاق..
لن نشغل بالنا كثيرا بمآل هذه السيدة..أين ستذهب..أين ستبيت ليلتها..من سيتولى رعايتها..
المهم..أن هناك احتمالا كبيرا أنها لن تعود في الغد..
ولو عادت..فربما لن تجدنا هنا..وستجد شخصا آخر يتولى مسؤوليتها..
إن حالة هذه السيدة وكثيرات وكثيرون غيرها..لوصمة عار في جبين هذا المجتمع..
ولسوف نحاسب يوما أمام الخالق الرحيم عما فعلنا بها..
مرة أخرى..سوف نحاسب حسابا عسيرا ياصديقي..
تعليقات
إرسال تعليق